١٥٩ - ﴿فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾ المعنى فبرحمة من الله لنت لهم، أو فبأيّ رحمة من الله لنت لهم، أو فبسبب رحمة من الله، أي كنت ليّنا مع قومك رغم كلّ ما بدر منهم في وقعة أحد، والخطاب للرسول ﷺ ونظيره قوله تعالى:
﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: ٦٨/ ٤]، ومن ذلك أنه لمّا انهزم الناس عن النبي ﷺ في أحد وأصيب في المعركة، ثم بعد أن عادوا إليه لم يخاطبهم بالتعنيف والتغليظ وإنما عاملهم بالرفق، وكانت تلك سياسته مع الناس رحيما كريما يتجاوز عن الذنب ويعفو عن الإساءة ويبرّ الضعفاء ويشفق عليهم:
﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ الفظاظة قسوة الخلق، أما غليظ القلب فمن لا يتأثر قلبه بشيء، فلو كان النبي ﷺ فظّا غليظ القلب لانفضّ الناس من حوله وفات المقصود من البعثة والرسالة، وهذه الآية قاعدة أساسية للذين يدعون إلى الإسلام في كل الأزمان أن يكون لهم في أخلاق رسول الله ﷺ أسوة حسنة في تعاملهم مع الناس ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ﴾ العفو فيما يتعلق بحقوق النبي ﷺ ﴿وَاِسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ فيما يتعلق بحقوق الله تعالى:
﴿وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ ضمير الغائب في ﴿شاوِرْهُمْ﴾ عائد لجماعة المسلمين، والأمر هو أمر المسلمين العام في السلم والحرب كما هو مذكور بقوله تعالى:
﴿وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ﴾ [الشورى: ٤٢/ ٣٨]، والمقصود شؤونهم الدنيوية بما فيها شؤون الحكم، ولا يدخل في ذلك أمور الدين المحض كالعبادات والعقائد والحلال والحرام لأنها لو خضعت للمشاورة لصار الدين من وضع البشر،
والخطاب وإن كان موجّها للنبي ﷺ إلاّ أنّ اللفظ عام وينطبق على جماعة المسلمين وأولياء أمورهم في كل الأزمان، وقد كانت الشورى من سنة الرسول