٩٠ - الأعراب سكان البادية، بالمقارنة مع العرب الذين هم سكان المدن والقرى، فبعد أن فصّلت السورة من الآية (٣٨ - ٨٩) موقف أهل المدينة تجاه النفير إلى غزوة تبوك، لكون أهل المدينة في حينه مركز الدولة الإسلامية وعمودها الفقري، وركّزت على موقف المنافقين منهم، تنتقل هنا إلى بيان موقف الأعراب، كونهم غالبية السكان في جزيرة العرب وقتئذ، فمن الطبيعي أن يكون لموقفهم تجاه البعثة الإسلامية أهمية كبرى، فمنهم من خرج مع النبي ﷺ إلى تبوك، ومنهم من تخلّف تثاقلا عن تحمّل مشقة الغزو لبعد المسافة، حيث لم يبد للغزوة بالنسبة إلى المتخلفين منهم مساس مباشر بمصالحهم الشخصية الفورية:
﴿وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ﴾ أي المعتذرون وقد أدغمت التاء في الذال فصارت ذالا مشدّدة ﴿مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ﴾ في القعود والتخلّف عن الخروج لغزوة تبوك، سواء منهم بأعذار حقيقية أو وهمية ﴿وَقَعَدَ﴾ منهم عن المجيء والاعتذار ﴿الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ﴾ فهؤلاء ما جاؤوا وما اعتذروا ﴿سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ﴾ وهم المصرّون على الكفر، وقوله تعالى ﴿مِنْهُمْ﴾ للتبعيض، لعلمه تعالى أنّ بعضهم سيؤمن (الآية ٩٩)، فلا يصيبه العذاب الأليم.
ويلاحظ الإعجاز في الآية، إذ بيّنت بإيجاز شديد موقف الأعراب، فقد جاء بعضهم للاعتذار بأعذار حقيقية أو وهمية، وقعد آخرون عن المجيء أو عن الاعتذار، ثم أوجزت مآل المصرّين منهم على الكفر.
﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (٩١)
٩١ - بعد بيان استئذان بعض الناس من أهل المدينة، ومن الأعراب، في القعود عن النفير إلى غزوة تبوك عن عذر صحيح، وغير صحيح، تبين هذه الآية أصحاب الأعذار الذين يحق لهم القعود عن الغزو: