٢١٠ - ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ﴾ هل ينتظرون؟ وهم المشار إليهم في الآية السابقة ﴿إِلاّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ﴾ أمر ﴿اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ﴾ أي هل هم بانتظار ذلك حتى يكونوا على يقين من الحقيقة؟ والمغزى أنّ اختبار الإنسان يكمن في اختياره الحرّ بقبول الحقيقة المطلقة أو رفضها، رغم أنّه لا يستطيع تحقّقها بحواسّه الخارجية، ولكنه يستطيع الاستدلال عليها بالوحي الذي نزل على الأنبياء، وبالعقل والتفكّر بالمعجزات الكونية، ولكن الكفار ينتظرون أن يأتيهم أمر الله والملائكة حتى يؤمنوا، فلو حدث ذلك لقضي الأمر وفات الأوان ﴿وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ الإيمان والتوبة لا يفيدان حينئذ، لأنّ الإيمان والطاعة لهما قيمة ما دامت الحقيقة بادية بشكل غير قسريّ، ممّا يمكّن الانسان من قبولها أو رفضها بخياره الحر، فإذا كشفت الحجب وظهرت الحقيقة سافرة، انتفى مجال الخيار وحرية الفكر والاختبار.
٢١١ - بعد بيان الآيات (٢٠٧ - ٢١٠)، ضرب تعالى مثلا ببني إسرائيل فقال عزّ ثناؤه: ﴿سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ﴾ ومع ذلك كفروا بها ﴿وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ﴾ وهي الوحي الذي نزل على الأنبياء، وتبديلها بتحريف الكتب وتغييرها ﴿مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ﴾ والخطاب ينطبق على بني إسرائيل وغيرهم، أي إنّ العاقبة السيئة مصير من يبدّل نعمة الله بعدما جاءته، فهذا من سننه تعالى في الخلق وليس خاصا بالأمم الغابرة فقط.