للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الآية ٦)، بيّن تعالى في هذه الآية أن الحجة مهما تكن باهرة، والشبهة مهما تكن واهية، فذلك لا يستلزم إيمان الجميع، إلا من كان من الناس منفتح الذهن،

أما من كان على العكس، منغلق الذهن، معجبا بنفسه وبرأيه، متكبرا معاندا متمسكا بالتقليد، فقد أقفل على نفسه باب النظر والبصيرة، لا تنفع معه المعجزات، حتى لو نزل القرآن على النبي مكتوبا في كتاب فلمسوه لمس اليد، والبشرية غاصّة بأمثال هؤلاء المكابرين، وهذه الآية نظير قوله تعالى: ﴿وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ﴾ [الحجر: ١٥/ ١٤ - ١٥].

﴿وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ﴾ (٨)

٨ - ﴿وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ﴾ استمرار المعاندة والمكابرة من قبل الكفار الذين لطفولتهم العقلية - أو للتعجيز - يطلبون، كي يؤمنوا، حدوث الخوارق كنزول ملك على النبي يشاهدونه عيانا، فأجابهم تعالى أن نزول الملك، يقتضي الإلجاء والإجبار فيزول الاختيار الذي هو قاعدة التكليف ﴿ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ﴾ لا يمهلون بعد ذلك فيكون هلاكهم، بانتهاء فترة الاختبار لهم.

﴿وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ﴾ (٩)

٩ - ﴿وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً﴾ لأنهم كانوا يقولون: ﴿وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً﴾ [الفرقان: ٢٥/ ٧]، فأجابهم تعالى أن لو جعل رسوله ملكا لأنزله في صورة بشر لاستحالة أن يشاهد الإنسان، أو أن يستوعب رؤية الملائكة ﴿وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ﴾ وحينئذ يلتبس ويختلط الأمر عليهم كما يخلطون على أنفسهم بهذا النوع من التفكير.

﴿وَلَقَدِ اُسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠)﴾.

<<  <  ج: ص:  >  >>