﴿فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ﴾ يعكفون من الاعتكاف، أي كانوا مواظبين على عبادة أصنامهم، وقيل أن هؤلاء القوم من المصريين العاملين في مناجم النحاس، وقيل إنهم العماليق المذكورين في كتب اليهود العنصرية "المقدسة" التي ابتكروها والتي تحضّهم على إبادة الأغيار، كزعمهم أن الرب قال لهم "امحوا ذكرى العماليق من تحت السماء"(سفر التثنية ١٩/ ٢٥)، وزعمهم أنه قال لهم أيضا "اذهبوا وابطشوا بالعماليق ودمّروا تدميرا تاما كل ما يملكون، ولا تبقوا منهم أحياء، بل اذبحوا الرجال والنساء والأطفال والرضّع والبقر والخراف والجمال والحمير"(سفر صموئيل الأول ٣/ ١٥)،
﴿قالُوا يا مُوسَى اِجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ﴾ تاقت نفوس بني إسرائيل إلى تقليدهم، لشدة ما اعتادوا على وثنية المصريين خلال مدة عبوديتهم حتى انحطّ مستواهم الفكري، وهذه بادرة الارتكاس الثانية منهم بعدما قالوا لموسى أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا بالآية (١٢٩)، ﴿قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ جئتكم بالحقيقة وبرسالة التوحيد والآيات البيّنات، وتصرّون على الزيف والوهم،
﴿إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (١٣٩)
١٣٩ - ﴿إِنَّ هؤُلاءِ﴾ العاكفين على الأصنام ﴿مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ﴾ التبار الهلاك، والتتبير الإهلاك، والمعنى أن طريقة هؤلاء مقضي عليها بالهلاك، وسوف تقودهم إليه لا محالة ﴿وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ كانوا وما زالوا، عملهم زائف لا يمت إلى الحقيقة، فهو أيضا زائل ومضمحل تماما، وهذه الآية تبين قاعدة عامة عن مآل جميع المشركين والمبطلين في كل العصور.
١٤٠ - ﴿قالَ﴾ لهم موسى ﴿أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً﴾ أطلب لكم معبودا غير الله تعالى؟ وهو رب العالمين! ﴿وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ﴾ بأن أنزل عليكم هدايته، واختاركم لحمل رسالته، والواضح أن التفضيل لم يكن مطلقا، وإنما بتحميلهم مسؤولية أثبتوا عدم جدارتهم بها.