ينشق عن ظلمة الليل كما في قوله: ﴿فالِقُ الْإِصْباحِ﴾ [الأنعام ٩٦/ ٦]، وهو على الحقيقة والمجاز، إذ هو أيضا انفلاق الفجر الروحاني على الباحث عن نور الحقيقة كما في قوله تعالى: ﴿أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام ١٢٢/ ٦] وقد شبّه تعالى الكافر بالميت، وانفلاق فجر الهداية عليه بالإحياء، فتكون الاستعاذة برب الفلق كمن يبحث عن الحقيقة ونور المعرفة، وكمن يهتدي بها بعد فترة من الحيرة والشك والترقّب:
﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ (١)، والاستعاذة بمعنى اللجوء إليه تعالى والاعتصام به.
﴿ولذا وجب الاستعاذة من شر إبليس، ومن كل شر في الدنيا والآخرة: ﴿مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ﴾ (٢)
والاستعاذة من شر الغسق، وهو أول ظلام الليل إذا خيّم ظلامه، وتنكيره بمعنى أن ليس كل غاسق ذا شر، وهو أيضا على الحقيقة والمجاز، فتكون الاستعاذة مجازا من شر اليأس والقنوط والقلق والجحود والكفر: ﴿وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ﴾ (٣)
والاستعاذة من كل مساعي الشر التي قد يلجأ إليها الآخرون مستعينين بطرق غيبية، بغض النظر عن الاعتقاد بفعالية تلك المساعي من عدمه: ﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (٤)﴾، وعبارة النفاثات في العقد إشارة لما كان بعض السحرة يقومون به من ربط الخيط عقدا والنفث فيها، وفي آية البقرة: ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اِشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة ١٠٢/ ٢] ما يدل أن الساحر يأثم ويرتدّ عليه مسعاه بالسوء.