الدنيا ليست سوى دار مرور وليست دار قرار، وهي أيضا لعب ولهو بالنسبة إلى الغافلين الذي يهدرون أوقاتهم بلا طائل ولا فائدة، أو يهدرونها في أعمال باطلة، كمن يجعل همّه محصورا في الدنيا فقط، وفي الجري وراء الجاه والرئاسة والعلو في الأرض ولو بالباطل، أو الاستغراق في الملذات الجسمية كالبهائم، أو تلبية الأهواء النفسية الشريرة كالشياطين في الكيد والترصد والإيقاع بالآخرين ﴿وَلَلدّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ الذين يتقون العبث واللهو في دنياهم، ويدركون أنّ الدنيا ليست غاية في ذاتها ﴿أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ حث على استخدام العقل لاستيعاب هذه الحقيقة.
٣٣ - ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ﴾ وهو قول الكفار بإنكار البعث والحساب، أو قولهم بتكذيب الوحي القرآني ممّا كان يسبب الحزن للنبي ﷺ ﴿فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ﴾ التكذيب في الحقيقة لم يكن للنبي ﷺ، ولا للدعاة من بعده، وإنما كان جحودا للحقيقة، لأن مشركي قريش كانوا يعلمون أمانة وصدق النبي ﷺ ولكنهم كانوا يكابرون فيزعمون أنه ساحر أو كاهن أو شاعر أو مجنون ﴿وَلكِنَّ الظّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ﴾ الجحود هو الإنكار مع العلم، والمعنى أن الكفار ينكرون من آيات الله ما أيقنت به قلوبهم، وهو كقوله تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِها وَاِسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا﴾ [النمل: ٢٧/ ١٤]، فسبب الجحود هو المكابرة والاستكبار والاستعلاء، والتمسك بالنظم الاجتماعية القائمة والمناصب، وإنكار المسؤولية.
٣٤ - ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ﴾ كان هذا دأب البشر في تكذيب الرسل منذ القدم ﴿فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتّى أَتاهُمْ نَصْرُنا﴾ وهو