﴿وهكذا كان الاستخفاف بعقول الناس وتفضيل الهوى سببا للفشل في تقييم الرسالة السماوية من حيث مضمونها وكفاءتها: ﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ﴾ (٥٤)،
ثم الهلاك نتيجة طبيعية لمن يتحدّى الرسالة السماوية: ﴿فَلَمّا آسَفُونا اِنْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ (٥٥)،
فأصبحوا من الماضي المنصرم ومثلا للمترفين من بعدهم: ﴿فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ﴾ (٥٦)، انظر الآيات (٢٣ - ٢٥).
وهنا تعود السورة لمغزى آخر من معاني (الآية ٤٥) فقد ضجّ كفار قريش بأن المسيحية يؤلهون ويعبدون عيسى ابن مريم ومع ذلك فالقرآن يصفهم بأنهم أهل كتاب: ﴿وَلَمّا ضُرِبَ اِبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ﴾ (٥٧)،
وقالوا، لمجرد الخصومة وقياس الباطل بالباطل، كما ذكر الزمخشري، لماذا لا نعبد الملائكة (الآية ٢٠) ما دام أنّ النصارى يعبدون عيسى، فالملائكة أحقّ أن تعبد بزعمهم ما دام أن عيسى بشر كما هو مذكور في (الآية ٥٩)، والملائكة فوق جنس البشر: ﴿وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إِلاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ﴾ (٥٨ - ٥٩)،
ولو شاء تعالى لجعل من الناس ملائكة يخلفون بعضهم بعضا في الأرض، فما هو وجه اعتبار الملائكة فوق جنس البشر وعبادة قريش لها: ﴿وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ﴾ (٦٠)،
وبعد ضرب المثل بموسى وعيسى (الآيات ٤٦ - ٦٠) تعود السورة لصفة أخرى من صفات القرآن الكريم المشار له في (الآية ٤٤)، وهي أنه دليل على حتمية وقوع الساعة والحساب، وبالتالي يكون الإنسان مسؤولا يومها تجاه