وقد اختلفوا في كيفية الإمداد بالملائكة، قال الرازي: هي بتثبيت قلوب المؤمنين والربط عليها، وفي تفسير المنار أن الملائكة أرواح تلابس النفوس فتمدّها بالإلهامات الصالحة التي تثبتها وتقوي عزيمتها.
١٢٦ - ﴿وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلاّ بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ﴾ أي إن وعد الإمداد بالملائكة هو لتقوية قلوب المؤمنين كي يعزموا على الثبات (الزمخشري)، وضمير الغائب في ﴿جَعَلَهُ﴾ عائد لقول النبي ﷺ أي: ما جعل الله قول النبي (ألن يكفيكم) إلا بشرى لكم، لأن الآيتين السابقتين ليستا وعدا من الله تعالى وإنما هما إخبار عما قاله النبي ﷺ لأصحابه، وقد يكون ضمير الغائب عائدا لوعد الإمداد بالملائكة، فيكون المعنى: وما جعل الله وعد الإمداد بالملائكة إلا بشرى لكم ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاّ مِنْ عِنْدِ اللهِ﴾ كل شيء بتقديره تعالى، فمن جهة لا يجب على المرء أن يكون متعجرفا فيظن أن مصادره الدنيوية وحدها كافية بذاتها من دون توفيق من الله، ومن جهة ثانية عليه اتخاذ كافة الأسباب الدنيوية لتحقيق النجاح مع الإيمان والثقة بالعون والتوفيق الإلهي ﴿الْعَزِيزِ﴾ الغالب على أمره ﴿الْحَكِيمِ﴾ مصدر الحكمة بشكل مطلق، لأن التدبير الإلهي يفوق مقدرة الإنسان على الإحاطة به، فلا يدري المرء ما الحكمة في كثير من الأمور، ولا يعرف من الحكمة الإلهية إلا أقل القليل.
١٢٧ - ﴿لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ والكلام متعلق بما قبله أي الغرض من التوفيق الإلهي، وتثبيتكم بعون الملائكة، ليقطع طرفا من الذين كفروا، ومعنى قطع الطرف إهلاك جماعة منهم، والإشارة إلى أنه تعالى لا يهلك جميع الكفار ولا يستأصلهم، فهو يمهل الباقين منهم ويترك مجال التوبة مفتوحا أمامهم