للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النعاس تثبيتا منه تعالى لهم وليستردّوا قوّتهم ونشاطهم ﴿وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ﴾ وهم ضعاف الإيمان زعزعتهم نتيجة المعركة، وكان همّهم مصالحهم القريبة فقط ﴿يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ﴾ نسوا أن الدنيا دار امتحان وابتلاء، وظنّوا بعد وقعة بدر أن الدين والنصر متلازمان دوما فأذهلهم ما حدث، وفاتهم أنّ كمال الحكمة من الخطة الإلهية لا يعلمها إلاّ الله تعالى: ﴿ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ﴾ أي ظنّ أهل الجاهلية، وفي المعنى العام نرى أنّ العقلية الجاهلية ليست مقتصرة على الفترة الزمنية التي سبقت البعثة الإسلامية، وإنما هي عقلية المصلحة القريبة والمنفعة المباشرة التي يسير البعض على أساسها في كل زمان بلا أي اعتبار للقيم الدينية والأخلاقية ﴿يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ﴾ أي هل لنا شيء ممّا كان يعدنا به النبي من النصر والقوة ﴿قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلّهِ﴾ كل الأمور تجري وفق سنته تعالى في خلقه،

﴿يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ﴾ بعد أن ضعضعتهم الهزيمة يخفون شكوكهم في الإسلام وفي تحقيق وعد الله لعباده ﴿يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا﴾ فقد غفلوا عن كون الآجال محددة في علم الله المسبق ﴿قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ﴾ الحذر لا يمنع المقدّر فالذين كتب عليهم القتل في علم الله المسبق لا بدّ أن يقتلوا على جميع التقديرات ﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ﴾ يختبركم حتى يظهر لكم ما تنطوي عليه نفوسكم من الضعف أو قوة الإيمان فتظهر من الخفاء إلى العلن ﴿وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ﴾ يطهّرها من الوساوس والشكوك ﴿وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ الله تعالى غنيّ عن اختباركم فهو عليم بما تسرّون في صدوركم سلفا، ولكن ليظهر لكم ما في أنفسكم.

﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ اِلْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اِسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٥٥)﴾.

<<  <  ج: ص:  >  >>