سيرد في الآية التالية ﴿وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اِخْتِلافاً كَثِيراً﴾ لأن القرآن نزل منجّما خلال ثلاث وعشرين سنة، وهي فترة النبوة التي حفلت بالأحداث الجسيمة والمتغيرات الاجتماعية والتنظيمية والحروب، والمعروف أن ترتيب النزول الزمني هو غير ترتيب القرآن فقد كان النبي ﷺ، بوحي من جبريل ﵇، يأمر عند نزول كل آية بوضعها في مكانها المحدد من كل سورة، وهو لا يقرأ ما سبق أن كتب في الصحف وإنما يحفظه حفظا، ومن المحال على أي بشر مهما بلغ، إذا كان يأتي بالكلام من عند نفسه، أن يتذكّر تفاصيل ما قاله منذ سنوات ويرتب الكلام في أماكنه الصحيحة، كما أن الصحابة كانوا يحفظون الآيات في صدورهم والكتبة يكتبونها في الصحف فلم يكن هنالك مجال للتنقيح والتغيير والتحرير لو افترض، ومع ذلك نرى القرآن خاليا من التناقض بل في غاية الإعجاز والتماسك والترابط ممّا هو كاف لإقناع المشكّكين، في كل الأزمنة، بأن القرآن لم يكن من تأليف النبي كما يدّعون أو يميلون إلى الاعتقاد، فلا بد إذن أنه كان من مصدر فوق طاقة البشر، وذلك معنى قوله تعالى: ﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً﴾ [الفرقان: ٢٥/ ٣٢] أي ورتّبناه ترتيبا محكما.
٨٣ - الخطاب متعلق بالآية (٥٩) لوجوب طاعة القرآن والسنة وأولي الأمر، وبالآية (٧١)﴾ وما تلاها من الآيات بخصوص الجهاد:
﴿وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ﴾ أي إذا وصل إلى علمهم شيء من خطط المسلمين السرّية تجاه عدوّهم أذاعوه فيبلغ الخبر العدو فيعود