﴿مَسَّتْهُمْ﴾ كالمرض والفقر وغيره ﴿إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا﴾ بعد زوال الضرّ عنهم، ينكصون إلى الجحود والمكابرة وإنكار الإيمان، بل يمكرون في الآيات ويطعنون بها، وهذا المعنى شبيه بالآية (١٢) المتقدمة، سوى أن معنى المكر قد أضيف إليه ﴿قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً﴾ المكر هو التدبير الخفي الذي يؤدي بالممكور به إلى ما لا يحتسب ولا يتوقع، ومكره تعالى تدبيره الذي يخفى على الناس، وهو أسرع مكرا لأنه سبق في تدبيره أمور الخلق وأعمار الناس، وتقديره الجزاء على الأعمال قبل وقوعها، وفي الآيتين (٢٢ - ٢٣) تفصيل لهذا المعنى ﴿إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ﴾ لا يخفى على الله شيء من مكركم وعملكم، قال الألوسي: وكيفية الكتابة ممّا لا يلزم العلم به، كما لا حاجة إلى جعله مجازا عن العلم.
٢٢ - استمرار الخطاب من الآية السابقة، فهذه الآية وما يليها مثال على مكر الناس في الآيات: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ يمكنّكم من ذلك، بما أودع فيكم من العقول والمقدرة على تطوير العلوم والمعارف ﴿حَتّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ﴾ السفن ﴿وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ﴾ جرت هذه السفن بمن فيها بسبب ريح طيبة مواتية لوجهة السير، وتغيير الكلام من المخاطب إلى الغائب بقوله تعالى ﴿بِهِمْ﴾ لإبراز المغزى العام لهذا المثل وانطباقه على معظم الخلق ﴿وَفَرِحُوا بِها﴾ اطمأنوا واغتبطوا بأن الأمور مواتية لهم ﴿جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ﴾ فرجح عندهم الاعتقاد أنهم مشرفون على الهلاك فعندئذ ﴿دَعَوُا اللهَ﴾ وحده ﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ بلا كفر ولا شرك ﴿لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ﴾ المصيبة ﴿لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ﴾ أقسموا أمام الله لئن نجوا أن يكونوا شاكرين لنعمائه مقرّين بفضله، والمغزى من هذا المثال أنّ الإنسان إذا اشتدّ خوفه رجع إلى فطرته التي خلق عليها بأنّ الله