ﷺ، فمن ذلك أنه استشار الناس يوم بدر لما علم بخروج قريش لحربه، ولم يبرم الأمر حتى صرّح المهاجرون ثم الأنصار بالموافقة، ثم شاورهم في مكان نزول العسكر في بدر، كما استشارهم يوم أحد ونزل على رأي الأكثرية في الخروج من المدينة، وشاورهم يوم الحديبية، ومن سنته أيضا أن جعل قرار الأكثرية ملزما للحاكم، إذ ألزم نفسه ﷺ برغبة الأكثرية في الخروج إلى أحد رغم أن رأيه الشخصي كان التحصن في المدينة والدفاع عنها.
﴿فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ﴾ إذا عزمت بعد المشاورة على تنفيذ القرار فتوكل على الله راجيا معونته وتوفيقه بعد أن تكون أعددت لكل شيء عدته، والآية صريحة في وجوب المضيّ بتنفيذ العزيمة بعد الشورى لما في فسخ العزيمة من مظاهر الضعف والتردّد ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ الذين يتوكلون على حول الله وقوته بعد أن يعدّوا للأمور عدّتها، ولا يصيبهم الغرور والإعجاب بالنفس لما اتخذوه من أسباب.
١٦٠ - ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ﴾ كما نصركم في بدر ﴿فَلا غالِبَ لَكُمْ﴾ استئناف الكلام من الآية السابقة، والمعنى إن ينصركم الله بعملكم الجاد وفق سننه الكونية، واتخاذكم الأسباب بالاستعداد والتأهب والمشاورة وعملكم للآخرة، وتوكّلكم على معونته وتوفيقه، فلا غالب لكم،
﴿وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ﴾ إن يخذلكم كما في وقعة أحد بما كسبته أيديكم من التفرق والتخاذل والعصيان والتهالك على الغنائم، والاعتداد بالذات، فمن يستطيع نصركم؟ ﴿وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ أي توكلوا على الله وحده دون غيره من مخلوقاته، والواضح أن التوكل يكون مع الأخذ بالأسباب الدنيوية، لأنّ ترك الأسباب بدعوى التوكل لا يكون إلاّ عن