لطلبهم في القريب العاجل، حرص قبل ذلك على وعظهما وإرشادهما لما رأى فيهما من تقدير له، فاغتنم الفرصة وقال لهما: ﴿ذلِكُما﴾ ذلك التأويل والكشف عن المغيبات ﴿مِمّا عَلَّمَنِي رَبِّي﴾ بالوحي والإلهام وليس من قبيل الكهانة والتنجيم ﴿إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾ وقد امتنعت عن ملّتهم، والإشارة لديانة الكنعانيين في فلسطين الذين أقام بينهم أولا، أو ديانة الهكسوس الذين أقام بينهم بعد ذلك، وهم إما وثنيون أو مشركون ﴿وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ﴾ إما أنهم يكفرون بالآخرة، أو أنهم لا يؤمنون بها على الوجه الصحيح فيتخبطون في تفسيرها، ثم أتبع يوسف موعظته بأن شرح لهم أنه من سلالة الأنبياء وبيّن لهم رسالة التوحيد:
٣٨ - استمرار الخطاب أي امتنعت عن ملّة المشركين ﴿وَاِتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ مبينا لهما أنه من سلالة الأنبياء ﴿ما كانَ لَنا﴾ نحن معشر الأنبياء ﴿أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ﴾ كائنا ما كان من البشر أو الملائكة أو الأصنام أو العجل أو الشمس ﴿ذلِكَ﴾ التوحيد وعدم الشرك ﴿مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا﴾ بأن هدانا إليه ﴿وَعَلَى النّاسِ﴾ بأن بعث فيهم الرسل، وكرّمهم برسالة التوحيد إذ حررهم من الخرافات، ولما في الشرك من الحطّ من كرامة الإنسان ﴿وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَشْكُرُونَ﴾ هذه النعمة، بل يشركون بالله ما لم ينزّل به سلطانا وما يستتبع ذلك من هدر مكانتهم الإنسانية التي كرمهم تعالى بها، انظر [الإسراء ٧٠/ ١٧].
ومن جهة ثانية، يستفاد من الآية أن الهكسوس كانوا على علم ببعثة إبراهيم وإسحاق ويعقوب وإلا ما كان هنالك معنى لإشارة يوسف إليهم في خطابه، كما يلاحظ التأكيد على أن محور بعثة هؤلاء الرسل هو التوحيد ونفي الشرك الأمر الذي لم يأت الكتاب اليهودي المقدس على ذكره في سياق القصة.