وبنيامين والأخ الأكبر الذي بقي بمصر، ونلاحظ أن يعقوب لا زال على يقين بأن يوسف حيّ يرزق فهو يتوقع تحقق رؤياه (الآيات ٤ - ٥ - ٦) ﴿إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ﴾ بحالي وحالهم ﴿الْحَكِيمُ﴾ يبتلي ويرفع البلاء بمقتضى الحكمة.
٨٤ - ﴿وَتَوَلّى عَنْهُمْ﴾ أعرض عنهم لبرهة من الزمن لا يريد أن يسمع المزيد من كلامهم، ومع أن الصدمة كانت بسبب فقد بنيامين فقد جددت أحزانه القديمة على يوسف إذ قال: ﴿وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ﴾ رغم أنهم نقلوا إليه خبر بنيامين وليس يوسف ﴿وَاِبْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ﴾ فلم يعد يبصر إذ انتابته رغبة قوية في العمى سيطرت على إرادته إذ لا يريد أن يرى الدنيا خالية من محبوبيه يوسف وبنيامين والنتيجة أن صدمة فقد الولد الثاني قد تكون أدّت به إلى عمى نفسي ﴿فَهُوَ كَظِيمٌ﴾ كاظم لأحاسيسه.
٨٥ - ﴿قالُوا تَاللهِ تَفْتَؤُا﴾ ما تفتؤ أي ما تزال ﴿تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتّى تَكُونَ حَرَضاً﴾ فتصبح مريضا لشدة حزنك، والحرض فساد الجسم ﴿أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ﴾ فتوافيك المنية من الغم، والمعنى أنك الآن في غمّ وهمّ وبلاء ونخشى أن يصيبك ما هو أعظم وهو الهلاك لشدة حزنك، أرادوا مواساته لعله يترك الحزن.
﴿قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ (٨٦)
٨٦ - ﴿قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ﴾ أي لا أشكو إليكم، وإنما شكواي لله وحده فدعوني، والبث النشر ﴿وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ إشارة إلى قوله بالآية ٦٧: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ فالله وحده يأتي بالفرج من حيث لا يحتسب، وذلك لعلمه أن يوسف لا زال حيّا وهو ما كان موقنا به من البداية بدليل قوله لهم في الآية التالية: