للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعاندة ﴿إِنْ هِيَ إِلاّ فِتْنَتُكَ﴾ الفتنة هي الاختبار المقصود منه إظهار حقيقة المفتونين أو لتصفيتهم وتمحيصهم، والخطاب اعتذار من موسى عمّا وقع من قومه، بمعنى أنّ الحياة الدنيا اختبار وابتلاء للعباد ﴿تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ﴾ بنتيجة الفتنة يضلّ تعالى من خلقه من يشاء الضلال، فيتركه لخياره ولنفسه، ويهدي منهم من يشاء الهداية، فيحيطه بتوفيقه ﴿أَنْتَ وَلِيُّنا﴾ القائم بأمورنا في الدنيا والآخرة، لا أحد غيرك ﴿فَاغْفِرْ لَنا﴾ ذنوبنا، لا تؤاخذنا عليها ﴿وَاِرْحَمْنا﴾ بفضلك وإحسانك ﴿وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ﴾ لأنه تعالى يغفر لعباده بمحض الكرم والتفضّل.

﴿وَاُكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ﴾ (١٥٦)

١٥٦ - ﴿وَاُكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ﴾ وهو تتمة دعاء موسى ، فبعد الإقرار أنه تعالى وحده القائم بأمور خلقه، طلب موسى المغفرة والرحمة، ثم أضاف عليها طلب حياة حسنة في هذه الدنيا، من العافية وبسط الرزق، والتوفيق للطاعة، وعز الاستقلال والملك، ومثوبة حسنة في الآخرة بدخول الجنة ونيل الرضوان ﴿إِنّا هُدْنا إِلَيْكَ﴾ وقد يكون أنهم سمّوا يهودا لهذا السبب، أي تبنا ورجعنا إليك، بعد تفريط سفهائنا من طلب الآلهة وعبادة العجل، وتقصير خيارنا في الإنكار عليهم، وطلب الرؤية، وتمرد المغرورين ﴿قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ﴾ أي كان من سبق رحمتي غضبي أن أجعل عذابي خاصا أصيب به من أشاء من الكفار والعصاة المجرمين ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ رحمتي فقد وسعت كل شيء في العالمين، فهي من صفاتي القديمة الأزلية التي قام بها أمر الكون، والعذاب ليس من صفاتي بل من أفعالي المرتبة على صفة العدل، ورحمتي عامة لكل مخلوق، ولولاها لهلك كل كافر وعاص عقب كفره ومعصيته دون إمهال ﴿فَسَأَكْتُبُها﴾ خاصة ﴿لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ الكفر والمعاصي والفجور والفساد والتمرد ﴿وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ﴾ لأنها دلالة على

<<  <  ج: ص:  >  >>