﴿والمطلوب أيضا أن يصبر الإنسان على مصائب الدنيا لأنّ كل شيء يتم وفق علم الله الأزلي بما هو كائن وما سيكون وفق حكم بالغة كثيرا ما تخفى على الخلق: ﴿ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ﴾ (٢٢)
وكما يصبر المؤمن على المصائب عليه أنّ لا يغتر بالنعم فينسبها فقط "لجدارته واستحقاقه" وينسى المنعم بها: ﴿لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ﴾ فيقع ضحية لغروره وإعجابه بنفسه: ﴿وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ﴾ (٢٣)
لأن المغرور المعجب بنفسه ينأى عن عمل الخير ويسخر ممّن يقوم به:
﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ فتعود عاقبة البخل عليه لأن الله غنيّ عنه: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ (٢٤)
وأن الله تعالى بعث الرسل وأنزل عليهم الوحي مبيّنا للناس معايير العدالة كي لا يظلم بعضهم بعضا: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (٢٥) ومكّن الناس من استخدام موارد الطبيعة ومن ذلك الحديد لتسهيل معيشتهم، في إشارة إلى صنع الأدوات والآلات والوصول إلى مستويات من التقانة التي تمتع بها الإنسان في الماضي والحاضر: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ﴾ وقد يستعمله الإنسان للعدوان والتخريب إذ ﴿فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ أو للدفاع ولما ينفع البشر: ﴿وَمَنافِعُ لِلنّاسِ﴾ وأن الذين يستفيدون من نعم الله بالطريق الإيجابي الصحيح هم المؤمنون حقا، فيحاسبهم تعالى بظهور أعمالهم إلى حيّز العلن وليس بمجرد علمه المسبق بهم:
﴿وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ﴾ وهم مؤمنون بما غاب عن إدراكهم ﴿بِالْغَيْبِ﴾ فلا يفوته تعالى من حسابهم شيء: ﴿إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢٥)﴾