﴿إذ كانت قلوبهم مع الدنيا، فظنّوا لضعف إيمانهم أن قريشا سوف تقاتل المسلمين العزّل وتقضي عليهم: ﴿بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً﴾ (١٢)
وفاتهم أن من لا يجمع بين الإيمان بالله والإيمان برسوله يؤول إلى أسوأ العواقب: ﴿وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً﴾ (١٣)
ومع ذلك فإن الله تعالى يغفر للتائبين إذا تابوا بصدق وقرنوا التوبة بالعمل:
والآية التالية تخبر بالغيب أيضا لأنه في العام ٧ هجرية، أي بعد بضعة شهور من صلح الحديبية، أراد المخلّفون اللحاق بالمؤمنين في غزوة خيبر بغرض الاشتراك في الغنائم: ﴿سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا اِنْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ﴾ مع أن القتال يجب أن يكون خالصا لوجه الله، انظر آية [البقرة ١٩٣/ ٢]، وقد سبق نزول الوحي في سورة الأنفال أن الأنفال لله ورسوله فلم يفقهوه:
﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلاّ قَلِيلاً﴾ (١٥)، وعدم فقه المخلّفين من الأعراب قادهم إلى ظن الحسد بالمؤمنين.
ثم تتنبأ السورة بحروب الردّة وحروب المسلمين مع فارس والروم، وأنه سوف تتاح الفرصة وقتئذ للمخلّفين من الأعراب، الذين تخلّفوا عن الحديبية، لبيان حسن نواياهم بالعمل وليس بالقول: ﴿قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦)﴾