إليه في هذه القصة، فهو في القصة رجل مؤمن موحّد، ومن المؤكد إنّه ليس الإسكندر المقدوني الذي خرج من اليونان وغزا المشرق في مطلع القرن الثالث قبل الميلاد، لأنه كان وثنيا، وهو قطعا ليس أحد ملوك حمير اليمنيين الوثنيين كما ظنّ بعضهم، وبما أن معظم القصص القرآنية تضع نفسها خارج إطار الزمان والمكان، وأنها لا تروى قط لمجرّد التأريخ بل لإبراز العبر منها، فليس من فائدة لتقصّي شخصية تاريخية لذي القرنين، ولنا أنّ نعتبر إنّ القصّة رمزية بحتة، تمشيا مع الآية (٥٤) إنه تعالى صرّف في القرآن من كلّ مثل:
والقرنان في القصة قد يرمزان إلى مصدرين متفاوتين، ومتكاملين من مصادر القوة، إحداهما القوة المادية الدنيوية، والثانية القوة الروحانية المنبثقة من شدة الإيمان بالله تعالى، وهو ما تمتّع به ذو القرنين المشار إليه،
٨٤ - ﴿إِنّا مَكَّنّا لَهُ فِي الْأَرْضِ﴾ وهذا التمكين هو جانب القوة المادية الدنيوية ﴿وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً﴾ آتاه الله تعالى كل الوسائل التي يحتاجها ذو القرنين للتوصّل إلى غاياته،
﴿فَأَتْبَعَ سَبَباً﴾ (٨٥)
٨٥ - ﴿فَأَتْبَعَ سَبَباً﴾ أي استخدم الأسلوب الصحيح في التوصّل إلى ما يبغيه، والمغزى أنّ ذي القرنين لم يستخدم قطّ طرقا ملتوية للتوصّل إلى غاياته الشريفة،