١٥ - ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً﴾ إذا لقيتم الكفار يزحفون زحفا لقتالكم، ومعنى زحف الجيش زحفا أي مشى بثقل لكثرته، والزحف أيضا الجيش الكثيف الذي يرى لكثرته كأنه يزحف، أي يدبّ دبيبا لأنه يرى جسما واحدا متصلا، فتظهر حركته الكلية بطيئة ولو كانت في الواقع في غاية السرعة ﴿فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ﴾ المعنى إذا لقيتم الكفار يزحفون لقتالكم، وهم كثر وأنتم قلّة، فلا تفرّوا منهم، والآية استمرار لما قبلها من الآيات، وقد تكون من جملة ما ألقته الملائكة في روع المؤمنين يوم بدر، غير أن حكمها عام لكل الأوقات والأحوال لأنهم قالوا إن "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب"، فهذه هي القاعدة الأولى في القتال، ويفهم من الآية أيضا أنه إذا كان التزاحف من الطرفين، أو كان الزحف من طرف المؤمنين، وهم أكثر عددا وعدّة من الكفار، أو متساوون معهم، فتحريم الهزيمة والفرار أولى، ومغزى التحريم أنه تعالى يهييء للمؤمنين، الذين اتخذوا للأمور عدتها، أسباب النصر والتأييد فلا مبرر للفرار، حتى لو كان الكفار عشرة أمثال المؤمنين كما سيرد في الآية (٦٥)، أو مثليهم على سبيل الرخصة الآية (٦٦)، وهذه القاعدة القرآنية مهّدت السبيل فيما بعد للفتوحات الإسلامية، التي امتدت خلال أقل من قرن من أقصى العالم القديم إلى أقصاه، على قلة أعداد المسلمين الذين انطلقوا من الجزيرة العربية، بالمقارنة مع جيوش فارس والروم وبالمقارنة مع عدد سكان البلاد المفتوحة وجيوشها.
١٦ - ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ﴾ تولية الدبر كناية عن الفرار، لأن الفار يدير ظهره للطرف الآخر، ومعنى ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ أي يوم القتال ﴿إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ﴾ تنفيذا لمناورة عسكرية أو خدعة ﴿أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ﴾ منضمّا إلى