يشعرون بوحيه تعالى إليه وأنسه بالوحي وعدم وحشته وهم يحسبون أنه مرهق مستوحش لا أنيس له، ولا يشعرون بما سيؤول إليه أمره من النبوة والرياسة، ولا يشعرون بعظم فعلتهم الشنيعة، ولا يشعرون بجهلهم وعاقبة عملهم، كما أنهم في المستقبل لا يشعرون بأنه يوسف عندما يأتونه طالبين الكيل والصدقة، الآيات (٨٩ - ٩٠).
﴿وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ﴾ (١٦)
١٦ - ﴿وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً﴾ أي في وقت العشاء، وإنما جاؤوا عشاء إمّا لأنهم لم يصلوا من مكانهم إلاّ في ذلك الوقت، وإما ليكونوا أقدر على الاعتذار لمكان الظلمة التي يرتفع فيها الحياء، ولذا قيل لا تطلب الحاجة في الليل فإن الحياء في العينين، ولا تعتذر في النهار من ذنب فتلجلج ﴿يَبْكُونَ﴾ متباكين مظهرين البكاء بتكلّف لأنه لم يكن عن حزن، تمويها لشنيع فعلهم، وكثيرا ما يفعل بعض الكذّابين ذلك، فلما سألهم أبوهم عن بكائهم أجابوه:
١٧ - ﴿قالُوا يا أَبانا إِنّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا﴾ إذ لا يستطيع مجاراتنا في استباقنا المرهق ﴿فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ﴾ إذ أوغلنا في البعد عنه فلم نسمع صراخه واستغاثته ﴿وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا﴾ أي بمصدّق لنا في قولنا هذا لاتهامك إيانا بكراهة يوسف وحسدنا له ﴿وَلَوْ كُنّا صادِقِينَ﴾ في واقع الأمر، أو لو كنا عندك من أهل الصدق والثقة ما صدّقتنا في هذا الخبر لشدة حبك يوسف، ولظننت أنا قد كذبنا.