جميع أنحاء العالم، فمن البلاد كالمناطق القطبية ما لا شهور لها ولا أيام معتدلة المدة وقد يصل الأمر ببعض المناطق أن تكون السنة كلها يوما وليلة فترك تعالى لهم أن يقدروا لليوم قدره، وللشهر قدره، في تحديد مواعيد الصلاة والصوم ﴿وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ﴾ أعيد ذكر الرخصة لئلاّ يتوهّم البعض أنها غير محمودة في رمضان ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ تعليل لما قبله ولسائر ما يشرع من الأحكام أن يكون الدين يسرا تاما لا عسر فيه ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ﴾ وهي استيفاء صيام الأيام المعدودات ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ﴾ لتكبّروا الله عند انقضاء الشهر ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ لأنّه تعالى، مع جلاله وعزّته واستغنائه عن جميع المخلوقات، خصّ عبيده بهذه الهداية العظيمة فصار ذلك داعيا لشكره.
١٨٦ - ﴿وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ بعد أن أوجب تعالى الصوم على عباده وأمرهم بالتكبير الذي هو ذكر الله، بيّن أنه بلطفه ورحمته قريب من العباد لا واسطة بينه وبينهم ولا حجاب ولا شفيع ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ﴾ وفي الحديث:«الدعاء هو العبادة»، لأنّه الصلة بين الإنسان وخالقه، ويجب أن يقترن الدعاء بالعمل بأن يتّخذ المرء الأسباب الموضوعية بطرقها الصحيحة من العلم والعزيمة والجهد، ثمّ يكون الدعاء بطلب التوفيق من الله، وفي قوله تعالى: ﴿بَلْ إِيّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ﴾ [الأنعام ٦/ ٤١] فجعل الاستجابة متعلقة بمشيئته تعالى، وفي الحديث:«ما من أحد يدعو الله إلاّ آتاه الله ما سأل، أو كفّ عنه من السوء مثله، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم».
﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي﴾ بالطاعة وبالعمل ﴿وَلْيُؤْمِنُوا بِي﴾ إيمانا يقينيا ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ حتى يستجيب تعالى لدعائهم.