أنّ الله تعالى يدبّر شؤون خلقه فلا يتركهم بلا هداية، وأن المفهوم البشري للزمن نسبي ولا حقيقة له: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ﴾ (٥)، وأن لو شاءتعالى لجعل الناس كلهم أمة واحدة على الإيمان: ﴿وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ (١٣)، ولكن اقتضت حكمته تعالى تكريم الإنسان بحرية الخيار، ومن ثم تحمّل المسؤولية، مما يترتب عليها أن يلقى المرء عاقبة عمله إن خيرا بخير: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (١٧)، أو شرّا بشر، وقد يكون العذاب الدنيوي للمجرمين حافزا لهم على الاستبصار قبل وقوع الأجل: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ (٢١).
وقد نزل الهدي القرآني على محمد هدى للناس كما نزل الكتاب على موسى من قبل هدى لبني إسرائيل: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ﴾ (٢٣)، وأن بني إسرائيل كانوا أئمة للهداية في زمانهم ما داموا صابرين على متطلبات الرسالة، ولكنهم فسدوا وحرّفوا التوراة، ومنهم من أنكر الآخرة: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ (٢٥) أي فيما اختلف فيه بنو إسرائيل بعد انحرافهم عن رسالة موسى.