النار يستكبرون عليهم في الدنيا، ويأنفون من مشاركتهم في الدين، وربما هزئوا بهم، ممّا ينمّ عن منتهى الضلال الذي كانوا فيه ﴿اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ فقد قيل لهؤلاء الناس ادخلوا الجنة، والمراد أنه تعالى يحث أصحاب الأعراف في الدنيا على العمل بعمل أصحاب الجنة واللحاق بمنزلتهم، وأن الجزاء على قدر الأعمال، والتقدم والتأخر على حسبها، وأن أحدا لا يسبق أحدا عند الله إلاّ بسبقه في العمل، ولا يتخلف إلاّ بتخلفه في العمل.
٥٠ - ﴿وَنادى أَصْحابُ النّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللهُ﴾ الإفاضة من الفيض أو من الفائض، أو من فيضان النعيم الذي يعيش فيه أصحاب الجنة، وفيه معنى الكثرة ﴿قالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ﴾ لإفادة الخيبة التامة لأمثالهم في الآخرة، ثم إنه تعالى وصف هؤلاء الكافرين بقوله:
٥١ - ﴿الَّذِينَ اِتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً﴾ جعلوا اللهو واللعب دينا لهم، لكثرة ما أضاعوا الأوقات فيما لا طائل منه ولا فائدة، ويحتمل المعنى أيضا أنهم جعلوا من الدين أضحوكة فيلهون ويلعبون بالهزء منه وبالسخرية من معتنقيه ﴿وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا﴾ طمعا في كثرة المال ورغد العيش وعلوّ الجاه وطول العمر، حتى صاروا محجوبين عن الدين، مستغرقين في طلب الدنيا ﴿فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ﴾ كان من عاقبة نسيانهم اليوم الآخر، وجحودهم الآيات، ألاّ يستجيب تعالى لدعائهم في الآخرة، والجحود هو الإنكار مع العلم، فكأنهم، بغلبة الدنيا عليهم، أنكروا الدين والآيات مع علمهم بصحتها.