لعلهم يتوبون من افترائهم وجحودهم وكفرهم، وثانيا في كل ما جعله لهم من الرزق، وما شرعه لهم من الدين، ومنه أن جعل الأصل فيما أنزله لهم من الرزق الإباحة، وجعل حق التحريم والتحليل له وحده ﷿، لكيلا يتحكم فيهم أمثالهم من العباد، وأباح لهم ما حرّمه عليهم إذا اضطرّوا إليه وكان تركه أضرّ من تناوله، وحصر أصول المحرمات في آية [الأنعام ١٤٥/ ٦]، ﴿وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ﴾ ذلك الفضل فلا ينتفعون به، ولا يغتنمون فرص التوبة، بل يظلمون أنفسهم بتحريم ما لم يحرّمه، حتى أنّ بعضهم يجنح إلى الغلو في الزهد، وترك الزينة والطيبات من الرزق، أو في ضد ذلك من الإسراف في الشهوات،
٦١ - ﴿وَما تَكُونُ﴾ أيها النبي ﴿فِي شَأْنٍ﴾ أي في أمر من أمورك الهامة، الخاصة والعامة من شؤون الأمّة - لأنّ الشأن هو الأمر العظيم ذو البال - ويفهم من الخطاب أنّ جميع أموره ﷺ كانت عظيمة الشأن حتى العادات منها، لأنه كان قدوة صالحة في كل عمله ﴿وَما تَتْلُوا مِنْهُ﴾ أي من القرآن، لأنّ الضمير في ﴿مِنْهُ﴾ يعود إلى القرآن، وقد تمت الإشارة إليه في الآيات ٣٨، ٣٧ والآيات ٥٨، ٥٧ ﴿مِنْ قُرْآنٍ﴾ أي من بعض القرآن، فيكون تقدير الخطاب: وما تتلو من القرآن من قرآن، لأنّ تعبير القرآن يشمل الجزء والكلّ ﴿وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ﴾ أيها الناس جميعا، فالخطاب عام للناس كلهم ﴿إِلاّ كُنّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً﴾ الله تعالى شاهد على كل شيء ﴿إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ﴾ الإفاضة في الشيء هي الدخول فيه والاندفاع والانهماك به ﴿وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ﴾ ما يبعد ولا يغيب عنه - لأنّ أصل العزوب هو البعد، وقالوا أنّ الفرد يسمّى عزبا لبعده عن الزوج - ﴿مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ﴾ مهما بلغ صغرها - وقدّم ذكر الأرض لأن الكلام في قاطنيها من البشر - ﴿وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ﴾.