إخلاء سبيل القافلة أصلا، ومجابهة قريش قبل أن يلتقوا بهم في بدر، وقبل أن يتبين لهم الفارق الكبير بين قوة وأعداد الطرفين، وأيضا كان نزول المسلمين في جانب من الوادي لا ماء به، وأرضه رملية تغرز فيها أرجل المشاة ﴿وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً﴾ أي أنه تعالى جمع المسلمين مع عدوهم في مكان واحد، على غير ميعاد، ليحق الحق ويبطل الباطل، وليصير الأمر ظاهرا والبراهين واضحة للطرفين، ولا يبقى لأحد من الكفار ولا المؤمنين حجة ولا شبهة ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾ الهلاك والحياة على المعنى المجازي، أي يستمر في الكفر من استمر فيه وهو على بصيرة من أمره أنه على الباطل، فهو هالك بالمعنى المجازي، لظهور الحجة أمامه ﴿وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾ لأن الإيمان هو حياة النفوس، انظر آية [الأنعام ١٢٢/ ٦]، فيستمر المؤمن في إيمانه عن حجّة وبصيرة ﴿وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ﴾ لدعائكم واستغاثتكم ﴿عَلِيمٌ﴾ بحالكم وضعفكم وأنكم تستحقون النصر.
٤٣ - ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً﴾ يبدو أنّ هذه الرؤية كانت وقت خروج النبي ﷺ مع أصحابه من المدينة، أو بعد خروجهم وهم في الطريق إلى بدر، ولم يكن لدى المسلمين أي معلومات محددة عن قوة المشركين، وقد رآهم النبي ﷺ في منامه قليلا، ويحتمل من مفاد الرؤيا أن بلاء العدو وبأسهم سيكون قليلا، وليس أنهم قليلون في العدد، فأخبر أصحابه بذلك ممّا شجعهم ورفع معنوياتهم ﴿وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ﴾ لأحجمتم وجبنتم عن اللقاء ﴿وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ لوقع بينكم النزاع، فمنكم من يقول نطيع الله ورسوله ونمضي للقتال، ومنكم الضعيف الذي تثبط همته بمثل الأعذار التي جادلوا بها النبي ﷺ كما تقدم في الآية (٦)﴾، ﴿وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ﴾ سلّمكم من الفشل والتنازع ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ عليم بما يصيبها من الجزع والقلق الذي