١٥٩ - ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً﴾ الذين فرّقوا - أو فارقوا - دينهم فجعلوه فرقا وطوائفا، فلم يكسبوا في إيمانهم خيرا - لأن الخطاب استمرار لما قبله -، كل فرقة تتشيّع لمذهبها، وتبتدع من عندها وعلى هواها ما ليس في الدين، وهذا المعنى ينصرف بشكل رئيسي إلى اليهود والمسيحية لأنهم ابتدعوا لأنفسهم ديانات جديدة منحرفة، ليس لها من بعثة موسى وعيسى ﵉ إلا الإسم، ثم افترقوا مئات الطوائف، انظر تفسير [آل عمران: ٣/ ٣] و [المائدة: ٥/ ١٣ - ١٤، ٤٧].
ومن ناحية أخرى فإنّ هذه الآية متمّمة لقوله تعالى: ﴿وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: ٦/ ١٥٣]، فهي بالتالي تحذّر المسلمين من البدع والأهواء، ومن التشرذم إلى طوائف متعصبة كل طائفة منها تظنّ وتدّعي أن الدين الصحيح حكر عليها فقط، وتعادي من ليسوا على رأيها.
﴿لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ أنت منهم ومن بدعهم ومن ادّعاءاتهم ومن ضيق أفقهم ومن تفرّقهم، أيها النبي، بريء ﴿إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ﴾ يتولّى أمر جزائهم بمقتضى سننه في المجتمع البشري من ضعف المتفرقين وإخفاقهم وتسلط الأقوياء عليهم، فيلبسهم شيعا يذيق بعضهم بأس بعض، قال تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ﴾ [محمد ٤٧/ ٢٢].