للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن إخوانهم الذين خرجوا لسفر بعيد أو للغزو لو كانوا مقيمين عندنا ما ماتوا وما قتلوا، فنهى تعالى المؤمنين أن يكونوا مثل الكفار في قولهم واعتقادهم ﴿لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ﴾ لأنّ الكافر يعتقد أنه لو بالغ في منع أخيه من الخروج للسفر أو للغزو لبقي حيّا، وبالتالي يعتبر نفسه ملوما على موته فتكون تلك حسرة في قلبه، في حين أن المسلم يعلم أن الحياة والموت بتقدير الله فلا يشعر بهذا النوع من الحسرة، ومن جهة ثانية فإنّ اطمئنان المؤمنين وتسليمهم بقضاء الله حسرة في قلوب الكفار ﴿وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ يحيي من يشاء بمقتضى سننه في بقاء أسباب الحياة، وإن سافر المرء أو قاتل، ويميت من يشاء بمقتضى سننه في الموت، وإن بقي المرء في بيته أو اتّخذ جانب الحيطة ﴿وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ لا يخفى عليه شيء من أعمال الكفار والمؤمنين ونواياهم.

﴿وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ﴾ (١٥٧)

١٥٧ - ﴿وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ﴾ وهذا سبب آخر لاطمئنان المؤمن إذا قتل بعض إخوانه في سبيل الله أو ماتوا، لأن المقتولين والذين ماتوا فازوا بمغفرة الله ورحمته ﴿خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ﴾ من أموال الدنيا، وخير من الحظوظ الدنيوية الفانية، فلا يليق بالمؤمن أن يتحسّر على من يقتل أو يموت في سبيل الله لأنه يفوز بما هو أهم بكثير.

﴿وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ﴾ (١٥٨)

١٥٨ - ﴿وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ﴾ الآية السابقة قدّمت ذكر القتل على الموت لأنه يكون أكثر عند القتال في سبيل الله، وفي الحالتين هما خير وسيلة لنيل مغفرة الله ورحمته.

وهذه الآية قدّمت ذكر الموت لأنه أكثر من القتل في الحالة العامة، وأن من يموت أو يقتل مصيره إلى الحشر والحساب فيجازي كل بحسب عمله.

<<  <  ج: ص:  >  >>