أنتم في غنى عنها، وفي الحديث:«أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرّم فحرّم من أجل مسألته»، ﴿عَفَا اللهُ عَنْها﴾ من قبيل العفو لم يذكر تعالى هذه الأمور في كتابه، فاسكتوا عنها، وفي الحديث:«لا تشدّدوا على أنفسكم فيشدّد عليكم، فإن قوما شدّدوا على أنفسهم فشدد الله عليهم»، وفي الحديث أيضا أن النبي ﷺ خطب الناس فقال:«أيها الناس إن الله قد فرض عليكم الحج فحجّوا، فقال رجل: أكلّ عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا، فقال ﷺ: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم، ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه»، ﴿وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ لا يعاجل الناس بالعقوبة، بل يترك لهم فرصة التوبة.
١٠٢ - ﴿قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ﴾ الذين أكثروا السؤال عن تفصيل الأحكام التشريعية من الأمم قبلكم لم يعملوا بما ظهر لهم منها، بل تركوها استثقالا لها، والخطاب عن الأمور الدينية المحضة، وأما المصالح المدنية والسياسية والحربية فهي شورى.
وقد كتب الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير المنار ما يلي:«العبرة من هذه الآية أن كثيرا من الفقهاء وسّعوا بأقيستهم دائرة التكاليف، وأكثروا من استنباط الفروع الكثيرة في العبادات والمعاملات، وانتهوا بها إلى العسر وإلى الحرج المرفوع بالنص القاطع، وقد افتتنت بعض الجماهير بالكتب الفقهية الملأى بالفروع التي نهى الشرع عن الخوض فيها، وأجمع السلف على ذم الاشتغال بها، ثم جمدت بعض الجماهير على التقليد، فكان أن تركت جماهير أخرى من المسلمين - وحكوماتهم - الشريعة جملة، وفتحت لهم أبواب انتقادها والاعتراض عليها، مع أن كل ما في الفقه من التشديد والتقييد هو من اجتهاد الفقهاء، ولا سيّما المصنّفين منهم الذين جاؤوا بعد الصحابة والتابعين».