للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضيقة فاضطربت صفوفهم وانهزموا ﴿فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ﴾ كثرتكم ﴿شَيْئاً﴾ المغزى أن المسلمين لا ينالون النصر إذا وثقوا بالكثرة العددية فقط، إن لم يعتمدوا على الله واتخاذ الأسباب، قال الألوسي: من احتجب بشيء - عن ذكر الله والتوكل عليه - وكل إليه ﴿وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ﴾ لشدة ما لحقهم من الذعر لم يكادوا يجدون موضعا يفرّون إليه ﴿ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾ لاذوا بالفرار، وهم أكثرية جيش المسلمين، ولم يثبت في مكانه إلاّ النبيّ ومعه قلّة من المؤمنين.

﴿ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ﴾ (٢٦)

٢٦ - ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ﴾ أنزل السكون والطمأنينة ﴿عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ بقي النبي وحده ثابتا في مركزه لا يتزحزح، وظهر منه من الشجاعة في تلك الوقعة ما أبهر العقول، ولم يكن معه من الناس إلاّ قليل من المهاجرين والأنصار، وكان الشجاع منهم إذا اشتد القتال يتّقي بالنبيّ ، فلا يقبل نحوه أحد إلاّ قتل، قال الزمخشري: "وناهيك بهذه الواحدة شهادة صدق على تناهي شجاعته ورباطة جأشه ، وما هي إلا آية من آيات النبوّة" ﴿وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها﴾ بأبصاركم، وهم الملائكة كما في وقعة بدر ألقت في روع المؤمنين أنه تعالى معهم فثبّتتهم، وقد أمر النبي عمه العباس، وكان ممسكا بلجام بغلته، أن ينادي المهاجرين والأنصار أن يثبتوا، فعادت جموعهم إلى المواجهة بعد أن شاهدوا ثبات النبي وأصحابه، فما لبثت الهزيمة أن تحولّت إلى نصر باهر ﴿وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بالقتل والأسر والسبي ﴿وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ﴾ في الدنيا، عدا ما ينتظرهم من عذاب الآخرة.

﴿ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (٢٧)

٢٧ - ﴿ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ﴾ ثم يتوب الله بعد هذا التعذيب في الدنيا، على من يشاء من الكافرين الذين تحققت الغلبة عليهم،

<<  <  ج: ص:  >  >>