ومن ثمّ على كلّ المسلمين، اتخاذ أسرى، أو رقيق، إلاّ بنتيجة الجهاد، وهو معنى قوله ﴿حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ﴾ أي أن الجهاد هو الطريقة الوحيدة التي يمكن أن ينتج عنها امتلاك الأسرى، وبعبارة أخرى فإن اتخاذ الرقيق بوسائل سلمية، عن طريق البيع والشراء والاتّجار، أو الاستيلاء عليهم بنتيجة حروب جائرة، أو حروب اقتصادية، أو حروب دنيوية، غير دفاعية محرّم إطلاقا، فهذه الآية ترقى عنده إلى تحريم نظام الرق، ما لم يكن اتخاذ الرقيق، الأسرى، ناتجا عن حرب عادلة - جهاد -، وحتى في هذه الحالة فإنه يتوجب إطلاق سراح الأسرى، بفدية أو من دون فدية، بعد أن تضع الحرب أوزارها، آية [محمد ٤/ ٤٧].
٦٨ - ﴿لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ﴾ لولا أن الله تعالى كتب لكم النصر في بدر، منذ الأزل، لقوله: ﴿لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾ (الآية ٨)، ﴿لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ لحاقت بكم الهزيمة وعذابها، أي ﴿فِيما أَخَذْتُمْ﴾ من الغنائم والأسرى واهتمامكم بهم بدلا من مطاردة فلول المشركين والإجهاز عليهم، ثم إن هذا العذاب تحقق بهم بالفعل في وقعة أحد للسبب ذاته، إذ بعد أن لاحت لهم بوادر النصر، ترك الرماة مراكزهم، وانشغل معظم المسلمين بالغنائم حتى فاتهم النصر، انظر آية [آل عمران ١٥٢/ ٣].
٦٩ - ﴿فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً﴾ بعد أن انتصر المسلمون في بدر بتحقق علم الله تعالى الأزلي فيما هو كائن، مع ما ارتكبوه من الانشغال بجمع الغنائم وأخذ الأسرى، وترك فلول العدو، بيّن لهم تعالى حلّ ما جمعوه من الغنائم وما أخذوه من فداء الأسرى ﴿وَاِتَّقُوا اللهَ﴾ انتهوا عن معصيته بعد ذلك، إشارة إلى المستقبل ﴿إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ لما سبق منكم من الذنب، إشارة إلى الحالة الماضية.