إرشاد الناس لأنّ الهداية الروحانية تأتي بالدرجة الأولى قبل مادية الدنيا، وهو ما حصل بالفعل مع المسلمين في العصور الأولى إذ كانت هدايتهم بفضل الله وبرحمته مع سعيهم في الأسباب، فلمّا صارت الدنيا عندهم مقصودة بذاتها، وتركوا هداية الدين، استووا مع غيرهم من غير المؤمنين وذهبت دنياهم إلى أيدي أعدائهم.
٥٩ - ﴿قُلْ﴾ لهم أيها النبي ﴿أَرَأَيْتُمْ﴾ أي أخبروني أيها الجاحدون للوحي والتشريع الإلهي ﴿ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ﴾ لمنفعتكم، والرزق ليس مقتصرا على الطعام والشراب فقط بل يتعداه إلى العلم والشرع كما في الدعاء: اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه فجعل اتباع الحق رزقا ﴿فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً﴾ حرّمتم بعضه وحلّلتم بعضه الآخر، فجعلتم أنفسكم مصدرا للتشريع ﴿قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ﴾ في التشريع من عندكم، وفي التحريم والتحليل بوحي نزل عليكم؟ والمعنى لا يحق لأحد أنّ يشرّع ما يخالف القرآن، ولا أن يحرّم على الناس ويحلّ لهم من عنده ﴿أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ﴾ بزعمكم أنّه تعالى حرّمها عليكم؟ والمغزى أيضا: ما دمتم أنتم تنكرون الوحي والنبوة فما بالكم تحرّمون وتحلّون من عندكم وتفترون الكذب على الله تعالى؟ - وهو اتصال الخطاب بما قبله،
٦٠ - ﴿وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ﴾ الافتراء على الله بالتشريع وبالتحريم والتحليل من عندهم ﴿يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ أي ما ظنّهم بحسابهم يوم القيامة؟ والمعنى لا يتركون بغير عقاب لأنهم تعمّدوا الكذب في حق خاص بربوبيته، فنازعوه تعالى فيه وأشركوا به ﴿إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النّاسِ﴾ أولا بإمهالهم