للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ﴾ [الأعراف ٧/ ٢٣]، ﴿فَتابَ عَلَيْهِ﴾ أي قبل توبته، لأنّ التوبة في اللغة تعني العودة والرجوع، وتوبة الإنسان معناها تخليّه عن العصيان وعودته إلى طاعة الله، وعندما تنسب هذه الكلمة إلى الله تعالى فمعناها قبول توبة عبده التائب ﴿إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ﴾ المراد من وصفه تعالى بالتوّاب المبالغة في قبول التوبة، وفي ذلك نقض لاعتقاد المسيحية من أتباع بولس بما يسمونه «الخطيئة الأصلية» ومؤدّاها عندهم أنّ معصية آدم تلحق به وبذريته، ولذا فإنّ الإنسان بحاجة إلى مخلّص أسندوه إلى المسيح، وهو اعتقاد سطحي ينبذه العقل والفطرة السليمة.

﴿قُلْنَا اِهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (٣٨)

٣٨ - ﴿قُلْنَا اِهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً﴾ بصيغة الجمع كناية عن جنس البشر بكامله، انظر آية [الأعراف ٧/ ١١]، ومغزى التأكيد على هذه العبارة أنها جاءت بعد توبة آدم وقبولها، أي بعد زوال ما زعموه ربقة الخطيئة الأولى مما لا يبرر أن يكون هنالك فادي من الخطيئة كما تظن المسيحية، لكي يصلب كما اعتقدوا ويفدي البشرية منها، بل على النقيض من ذلك فإنه تعالى لم يكتف بقبول توبة عبده آدم، بل تجاوز خطيئته ومنحه الخلافة على الأرض، وإنّ تكرار الأمر الإلهي بمغادرة الجنة والهبوط في الأرض يهدف إلى توضيح نقطة هامّة، وهي أن الأرض ليست مكانا لعقاب البشر، فالعكس هو الصحيح، لأن الهبوط إلى الأرض كان تحقيقا للوعد الإلهي أصلا لقوله تعالى: ﴿إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة ٢/ ٣٠]، ﴿فَإِمّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً﴾ عن طريق الوحي والرسل ﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ من وساوس الشيطان والعقائد الفاسدة وما يعقبها من الشقاء والخسران ﴿وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ على فوات مطلوب أو فقد محبوب.

<<  <  ج: ص:  >  >>