للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ * وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ﴾ (٢١٠/ ٢٦ - ٢١٢)، كما أنّه بعيد كل البعد عن تقوّل الشعراء:

﴿وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ﴾ (٢٢٤/ ٢٦).

[محور السورة]

ما على الرسول - ومن ثم باقي المؤمنين - إلا البلاغ، فلا على الرسول أن يهلك نفسه غمّا إن لم يؤمن الجميع: ﴿لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلاّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ (٣)، وأن لو شاءتعالى لألجأ الناس إلجاء إلى الإيمان، وعندئذ لا يكون لإيمانهم قيمة أخلاقية من حيث لم يكن نابعا من حرية الخيار: ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ﴾ (٤).

وأن المكذّبين دأبوا على الإعراض عن الرسالات السماوية: ﴿وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلاّ كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ﴾ (٥)، فقد كذّبوا موسى وإبراهيم ونوحا وهودا وصالحا ولوطا وشعيبا، وهي قصصهم السبع التي تتناولها هذه السورة من زوايا متعددة، وتبرز منها نقاطا أساسية في ضعف المجتمعات وأسباب انهيارها.

ففي حالة تكذيب فرعون لموسى تبيّن السورة أن الطغاة لا يستطيعون فهم رغبة المضطهدين بالحرية، فإن ثار المضطهدون على الظلم نسبوا ثورتهم إلى كراهية الضعيف للقوي والحسد له: ﴿وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ﴾ (٥٥)، بل إنهم يرون استعباد الآخرين منّة من طرفهم: ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ﴾ (٢٢)، وتصل بهم ثمالة السلطة إلى ادعاء الألوهية: ﴿قالَ لَئِنِ اِتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾ (٢٩)، وفي قصة إبراهيم تلحظ السورة فساد التقليد، وأن اتّباع ما كان عليه الآباء ليس برهانا بحد ذاته على سلامة العقيدة: ﴿قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ (٧٤)، وفي قصة نوح تبيّن السورة أن الحكم على إيمان الآخرين يجب أن يكون بحسب الظاهر، والله

<<  <  ج: ص:  >  >>