فالمعنى كيف يمكن أن نعبد هذه الأشياء التي ليس لها مقدرة على شيء ﴿وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللهُ﴾ كيف نرتد إلى الجهل والجاهلية والشرك وعبادة الزعماء بعد أن ظهر العلم الحقيقي، وهدانا الله بالقرآن والرسول ﴿كَالَّذِي اِسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ﴾ كمثل من هوت به الشياطين من قمم الهداية إلى حضيض الجهالة بسبب اتّباعه الأهواء والوساوس، وأيضا استهوته بمعنى ذهبت بهواه وعقله، أو زيّنت له هواه، وتشمل شياطين الإنس من الزعماء ورفاق السوء ﴿حَيْرانَ﴾ متردّد ﴿لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى اِئْتِنا﴾ هو ممزّق بين وساوس الشيطان ورفاق السوء، وبين فكر الهداية ودعوة أصحابه المهتدين يقولون: له تعال معنا، فلا يبتّ بقبول الهداية، ولا يتخلّص من الضلال والجري وراء المادة، بل يبقى هائما مضطربا في حيرته ﴿قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى﴾ وما غيره من الأفكار والنظم الوضعية هو الضلال ﴿وَأُمِرْنا﴾ نحن وأنتم ﴿لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ﴾ فنتبع هديه وحده، ولا نسلم أنفسنا لغيره، ولا نشرك معه غيره في الدعاء، فاقتدوا بنا أيها المشركون والمادّيون.
٧٢ - ﴿وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاِتَّقُوهُ﴾ بعد المحاجّة الفكرية مع المشركين ودعوتهم إلى الإسلام في الآية السابقة، أمرهم أن يقتدوا بالمسلمين لجهة إقامة الصلاة والالتزام بالتقوى، لأن الإيمان والإسلام ليس مجرد قناعة فكرية، بل يترتب عليه عبادات وممارسات عملية حياتية في نطاق التقوى ﴿وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ ليوم الحساب، فالحساب على الله، وليس على العباد، وما علينا إلا البلاغ.