للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصلاح قسرا، ثم يكون مآلهم، المشار إليه في (الآية ٨)، بنتيجة أعمالهم وكسبهم، إن لم يغتنموا فرص التوبة.

﴿وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (١٢)

١٢ - وإذا عجّل الله للإنسان بعض الشر، انظر الآية السابقة: ﴿وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ﴾ الضرّ هو الضرر، كالمرض والفقر والمصائب تصيب الإنسان ﴿دَعانا﴾ لكشفه وإزالته ﴿لِجَنْبِهِ﴾ دعانا مضطجعا على جنبه لشدة مرضه ﴿أَوْ قاعِداً﴾ إن كان يستطيع القعود ﴿أَوْ قائِماً﴾ أي في كل حالاته، والمعنى أن الإنسان في حال الضرّ، يدعو ربه تلقائيا وبالفطرة، بدافع من غريزته وعقله الباطن، حتى لو كان ممّن يدّعون "العلمانية"، ورغم أنه قد يكون من اللاهثين وراء الدنيا، الآية (٧)، ﴿فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى﴾ كشف ﴿ضُرٍّ مَسَّهُ﴾ إذا زال عنه الضرر نسي موقف الضعف والعجز والابتهال والدعاء كأنه لم يمرّ به، وعاد في عقله الواعي إلى المكابرة وإنكار الإيمان ﴿كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ الذين أسرفوا في هدر طاقاتهم الفكرية والعملية بما يضرهم ولا ينفعهم، حتى خسروا أنفسهم بإسرافهم، انظر [الأنعام ١٢/ ٦]، أما تزيين الأعمال بقوله ﴿زُيِّنَ﴾ أي جعلها تبدو حسنة في نظرهم، فهو راجع إلى النفس البشرية والوسواس، راجع شرح آية [آل عمران ١٤/ ٣]، والتزيين ناتج عن تأخير العقوبة عنهم وإمهالهم، الآية (١١)، فبدلا من التوبة، يزداد تهالكهم على ما يظنون خيرات الدنيا.

﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾ (١٣)

١٣ - ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ هذه الآية بيان لسنن الله في خلقه، والخطاب لمنكري النبوات فيما يقتضي الإهلاك، والقرون: الأمم، جمع قرن وهم القوم المقترنون في زمن واحد، وقد ضربت السورة مثلا بإهلاك المسرفين

<<  <  ج: ص:  >  >>