فيأمر الوحي بوضع كل آية وكل سورة في مكانها الصحيح من الترتيب القرآني الذي نعرفه، وهو ترتيب غير ترتيب النزول التاريخي، فكان من الإعجاز بقاء القرآن خاليا من الاختلاف سليما من التناقض شاهدا على قوله تعالى:
﴿ثم تشير السورة إلى معنى لطيف جدّا وهو أن المعنى الحقيقي للقرآن لا يصل إليه ولا يستفيد من هديه إلاّ من هو منفتح الذهن سليم النية مطهّر من التحيّز والتشنج والتقليد والفكر المسبق: ﴿لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ﴾ (٧٩)
فيعلم على وجه اليقين أنه وحي من الله تعالى: ﴿تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ (٨٠)
فأنّى لهم الكفر بالقرآن بعد كل هذا الإعجاز: ﴿أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ﴾ (٨١)
ومع ذلك فمنهم من يجعل ديدنه تكذيب القرآن: ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ (٨٢) أي في الصدّ عنه كما هي حال بعض المستشرقين اليوم أو من يدّعون "العلمانية".
ثم تتحداهم السورة أن يتغلبوا على الموت إن استطاعوا: ﴿فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ﴾ (٨٣) أي الروح:
﴿وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ﴾ (٨٤) لأنهم ينظرون إلى المشرف على الموت وهم في حالة من العجز التام:
﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ﴾ (٨٥)
فإن كانوا مكتفين بذواتهم كما يزعمون، وغير مدينين بالحياة لله سبحانه فليتغلّبوا على الموت وقت وقوعه ويعيدوا الروح إلى صاحبها: ﴿فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ (٨٦ - ٨٧) لكن الموت الذي يفرّون