الأنوار نتيجة طبيعية للأعمال الصالحة لأصحابها، فمن لم يعمل صالحا لا يتأتّى له ذلك النور: ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا اُنْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾ فيقال للمنافقين والمنافقات كان عليكم اقتباس هذا النور في دنياكم وقد فات الأوان، فإن هذه الأنوار تتولد من اكتساب المعارف الإلهية والأخلاق الفاضلة: ﴿قِيلَ اِرْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً﴾ فيفصل بينهما حاجز له باب، باطنه الرحمة من جهة المؤمنين، وظاهره العذاب من قبل المنافقين والمنافقات:
﴿فالمنافقون المرتابون في البعث، المغترّون بمكاسب الدنيا، لا تنفعهم يوم القيامة الأموال التي كانوا مستخلفين فيها، ولم يؤدوا حق الله بها، فينادي المنافقون المؤمنين قائلين: ﴿يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ﴾ فيقولون لهم نعم كنتم معنا في الظاهر، ولكن فتنتم أنفسكم بالنفاق والمعاصي، وتربصتم بغيركم دائرة السوء، وغرّتكم الأماني الكاذبة في الدنيا حتى وافتكم المنية وأنتم على حالكم من الغرور: ﴿قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَاِرْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتّى جاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ﴾ (١٤)
فالتوبة والندم لا ينفعان بعد الفوات: ﴿فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ (١٥) ونلاحظ أن الآية تضع المنافقين بمنزلة الذين كفروا.
وهنا تحذّر السورة المؤمنين من الرضا عن النفس والاغترار والإعجاب بها:
﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ﴾ وتنهاهم أن يكونوا كاليهود من قبلهم إذ اغترّوا باعتقادهم أنهم شعب الله المختار فجمدت عقولهم على الجاهلية والعصبية والاستعلاء: ﴿وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ وفسقت أكثريتهم