ولذا خاطب تعالى نبيه بقوله عزّ من قائل: ﴿إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ﴾ فدور النبي - ومن ثمّ كل مسلم بعده - هو الدعوة والإنذار وليس القهر والإجبار، والهداية على الله تعالى ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾ فالمنذر هو النبي ﷺ، والهادي هو الله تعالى وحده يهدي قلوب من يشاء من العباد، ويحتمل المعنى أيضا أن النبي ﷺ منذر وهاد لكل قوم من الأقوام والأمم نظرا لعالمية الرسالة الإسلامية، وقد يكون الهداة أيضا العلماء والدعاة من بعده.
٨ - المزيد من بيان الآيات بعد قولهم ﴿لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ﴾: ﴿اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى﴾ ليس فقط ما تحمل من ذكر أو أنثى بل يعلم أيضا مستقبل الحمل ومستقبل الولد وما سيكون من شأنه من الحياة إلى الممات، وما يكون من شأنه من إيمان أو كفر وجحود ﴿وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ﴾ فتجهض الحمل، لأن الغيض هو النقصان، أو ما تنقص عن تسعة شهور حتى سبعة الشهور ﴿وَما تَزْدادُ﴾ عن الشهور التسعة حتى قد تبلغ العشرة ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ﴾ بمقدار يتناسب مع الغرض الذي من أجله خلق، ومع متطلبات الحياة ومع الدور المقدر له أن يلعبه في الخليقة، وهو شبيه قوله تعالى: ﴿إِنّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر ٤٩/ ٥٤].
٩ - ﴿عالِمُ الْغَيْبِ﴾ يعلم ما يغيب عن حس البشر وإدراكهم ﴿وَالشَّهادَةِ﴾ ويعلم ما هو ضمن نطاق مشاهدتهم ﴿الْكَبِيرُ﴾ بحسب قدرته وعلمه بلا حدود، وهذا يقتضي قدرته على البعث الذي أنكروه، وعلمه بالغيب الذي غاب عنهم ﴿الْمُتَعالِ﴾ فوق أي مخلوق كائن أو ممكن، والمتنزه عن كل ما لا يجوز عليه، والمنزه عن كل ما لا ينبغي له، وهو أيضا المتعالي عن أي تصور أو تخيل عن ماهيته.