١٨٠ - ﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ﴾ لا يحسبنّ الذين يبخلون البخل خيرا لهم، أو لا يحسبنّ أحد بخل الذين يبخلون خيرا لهم، وارتباط الآية المباشر بسابقتها لأن البخل سمة الكفار المخاطبين بها من حيث أن المادة في الدنيا هي معبودهم وهدفهم الوحيد، وهذه الآية أيضا متسلسلة مع آيات الحث على الجهاد وبذل النفس فهي الآن تحث المؤمنين على عدم البخل بالمال وبالعلم ﴿بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ سيلزمون إثم بخلهم في الآخرة كما يحيط الطوق بالعنق، والتطويق من باب الاستعارة كقوله تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾ [الإسراء: ١٧/ ١٣]، ﴿وَلِلّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ له ما يتوارثه الناس من الأموال، لأنهم يمتلكون المال مرحليا، وفي النهاية يفنى أهل السماوات والأرض ويبطل ملك المالكين ولا يبقى مالك إلا الله تعالى: ﴿وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ فيكون الجزاء بمقدار العمل.
١٨١ - بعد أن حثّت الآية السابقة على إنفاق المال في سبيل الله، تذكر هذه الآية كلام اليهود بالطعن في ذلك ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ﴾ كان يهود المدينة يقولون ذلك تهكّما واستهزاء بالقرآن ﴿سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ ما قالوا من التهكّم والاستهزاء، يجازيهم الله عليه وعلى قتلهم الأنبياء، ونسب قتل الأنبياء إليهم لأن اليهود راضون بما فعله أجدادهم، وباعتبار تكافلهم كأمّة إذ قتلوا يحيى وغيره من