الفارق الزمني الكبير بين نزول السورتين، مع ترتيبهما القرآني المتتالي، من مظاهر إعجاز القرآن الذي كان نزوله منجما على النبي ﷺ على مدى ٢٣ عاما من بعثته الشريفة ومع ذلك كان يأمر، بحسب الوحي، بترتيبه ترتيبا متماسكا معجزا مغايرا لترتيب النزول،
فقد انقضت سبع سنوات بين نزول سورة الأنفال بعد وقعة بدر في السنة الثانية من الهجرة، وبين نزول سورة التوبة قبل غزوة تبوك وخلالها وبعدها في السنة التاسعة من الهجرة، غير أن هنالك ارتباطا واضحا في موضوعهما، إذ اشتملت سورة الأنفال على تحليل كامل لأول مواجهة عسكرية حاسمة بين قوى الإسلام وقوى الكفر، كما وضعت أسس الجهاد الإسلامي التي بموجبها انتشرت دولة المسلمين ودعوتهم - خلال أقل من قرن من الزمان - من أقصى العالم القديم في الصين، إلى أقصاه في الأندلس.
ثم بعد غزوة مؤتة (جمادى الأولى ٨ هجرية)، وفتح مكة (رمضان ٨ هجرية)، ووقعة حنين (شوال ٨ هجرية)، وغزوة تبوك (رجب ٩ هجرية) وانسحاب هرقل الروم، ثم نقض المشركين في جزيرة العرب عهودهم، بعد ذلك كله نزلت سورة التوبة تبين سياسة الإسلام تجاه كل من الطرفين: الناس خارج جزيرة العرب، والمشركين داخلها، وفيها عبر ودروس أخلاقية للمسلمين تبين لهم المواقف العملية المترتبة عليهم لتحقيق سياسة الإسلام الداخلية والخارجية،
ونلاحظ أن سورة الأنفال تأمر المؤمنين أن يستجيبوا لله وللرسول عندما يدعوهم لما فيه حياتهم من الجهاد: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاِعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ [٢٤/ ٨]، ثم تحذرهم سورة التوبة من ترك الجهاد والركون إلى الدنيا: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ اِنْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اِثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاّ قَلِيلٌ﴾ [٣٨/ ٩]،