عودته من حنين، فعزم على الخروج للقاء الروم في سورية كما هي عادته في أخذ زمام المبادرة دفاعا لا عدوانا، ولم تمنعه ظروف الجفاف والحرارة الشديدة التي كانت سائدة وقتئذ في الحجاز، وأنّ وقت الحصاد كان قريبا، وعلى غير عادته في غزواته السابقة من كتمان أمره، وكتمان وجهة سيره، فقد جاهر النبي ﷺ في هذه المرة بالغرض من حملته وبعث في القبائل يدعوها للاشتراك معه في غزو الروم حتى اجتمع لديه في المدينة ثلاثون ألف رجل خرج بنفسه على رأسهم (رجب العام ٩ هجرية)، وكانت أكبر قوة عددية اجتمعت له في تاريخ البعثة، فلمّا وصل بالجيش إلى تبوك تبيّن أن الروم تخلوا عن خطتهم لغزو المدينة، أو أنهم صرفوا النظر عنها مؤقتا، ويبدو أنّ هرقل انسحب ولم يجرؤ على المجابهة عندما علم أنّ النبي ﷺ جاء بنفسه على رأس جيش المسلمين، وفي الحديث:
«نصرت بالرعب مسيرة شهر» رواه البخاري وغيره، والتزاما بالموقف الدفاعي الذي اتخذه النبي ﷺ طيلة بعثته، عاد بالجيش إلى المدينة بعد أن مكث في تبوك عشرين يوما عقد خلالها المعاهدات مع قبائل العرب التي كانت متحالفة مع الروم، وبذلك امتدت سلطة المسلمين إلى حدود بلاد الشام.
وخلال الإعداد لغزوة تبوك، بدا من ضعاف الإيمان والمنافقين في المدينة ومن بعض الأعراب، تثاقلهم وكراهتهم الاشتراك في حرب الروم مع النبي ﷺ، وقد فصّلت السورة العبر من ذلك.
وبعد العودة من غزوة تبوك بشهور قلائل - أي في شهر (ذي القعدة العام ٩ هجرية) - بعث النبي ﷺ أبا بكر الصديق (ر) إلى مكة أميرا على الحج، ثم أتبعه بعلي ابن أبي طالب (ر) ليقرأ على الناس مطلع سورة براءة إنذارا لمن نقض العهود من المشركين، ذلك أن النبي لمّا خرج إلى غزوة تبوك وتخلف عنه المنافقون من أهل المدينة ومن الأعراب، وأشاعوا الشائعات، جعل المشركون ينقضون عهودهم، فنبذ رسول الله ﷺ العهد إليهم.