للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً﴾ مع أن القرآن يهدي للتي هي أقوم، وإن الوحي الإلهي هو المعيار الوحيد لمعرفة الحق من الباطل، فالإنسان يتخبط على غير هدى، وقد يدعو ما ليس في صالحه، فيستعجل الشر ظانّا أنه خير، انظر قوله تعالى: ﴿وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ﴾ [البقرة ٢١٦/ ٢]، فلا بد من الصبر وتحمّل المعاناة واستبعاد العجلة،

﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً﴾ (١٢)

١٢ - ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ﴾ دليلين قاطعين على التوحيد ﴿فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ﴾ كناية عن الجهل ﴿وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً﴾ كما هي في القرآن الكريم يخرج الناس من الظلمات إلى النور ﴿لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ﴾ لتبصروا كيف تتصرفون في أعمالكم ﴿وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ﴾ الزمنية، ولتذكروا منها فترة بقائكم المؤقتة في دنياكم ﴿وَالْحِسابَ﴾ فتعدّوا العدّة لآخرتكم ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً﴾ كلّ ما تحتاجونه في مصالح دينكم وأخلاقكم ودنياكم فصّلناه، وهكذا أزيحت عنكم الأعذار والعلل، فأصبحتم في موقع المسؤولية كما هو مذكور في الآية التالية:

﴿وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً﴾ (١٣)

١٣ - ﴿وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾ لأن العرب في الجاهلية كانت تطلق الطير فإن طار يمنة تفاءلت، وإن طار يسرة تشاءمت، فصار الطير عندهم بمنزلة الفأل أو الحظ، ولما كثر ذلك عندهم سمّي الخير والشر بالطائر، فخاطبهم تعالى بما تعارفوا عليه، وأخبرهم أنّ مسؤولية الإنسان فردية مرتبطة بعمله وتنبثق من خياره الأخلاقي فتطوّق عنقه، أي تحيط به، وهو ملزم بها يحاسب عليها وفق عمله، إن خيرا فخير، وإن شرّا فشرّ ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً﴾ بأعماله ﴿يَلْقاهُ مَنْشُوراً﴾ واضحا بيّنا،

<<  <  ج: ص:  >  >>