وكذا النبي شعيب مع قومه في مدين أوضح لهم البينة - الدليل العقلي - والوحي الذي رزقه تعالى: ﴿قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً﴾ (٨٨)،
وإن اليهود اختلفوا في الوحي الذي نزل على موسى لكن الحكمة الإلهية اقتضت إنظارهم ليوم الحساب: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ﴾ (١١٠)،
وقد مضت سنته تعالى في خلقه أن المجتمعات التي تجمع الفساد إلى الكفر يؤول مصيرها إلى الزوال: ﴿وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ (١٠٢)، وأن الله تعالى لا يهلك المجتمعات إذا كان الظلم فيها مقتصرا على الكفر والشرك، دون الفساد والبغي في المعاملات، وذلك لفرط رحمته تعالى بالناس ومسامحته حقوقه، أما حقوق العباد فيما بينهم فلا تساهل فيها، إذ من سننه تعالى في المجتمعات البشرية أنها تدوم مع الكفر، ولا تدوم مع الفساد والبغي: ﴿وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ﴾ (١١٧)،
١ - ﴿الر﴾ الله أعلم بمراده، راجع شرح آية [البقرة ١/ ١]، هود الثانية من السور التي تفتتح بحروف ﴿الر﴾ والتي افتتحت بها ستة سور متتالية من القرآن الكريم هي (يونس - هود - يوسف - الرعد - إبراهيم - الحجر)، غير أنها وردت في سورة الرعد ﴿المر﴾ بزيادة حرف الميم،
﴿كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ﴾ أي هذا كتاب أحكمت آياته، والمحكم ما لا يتطرق إليه الخلل، فالقرآن محكم إطلاقا أي في منتهى الإحكام والإتقان، ولا ينسخ منه شيء بخلاف الرسالات السابقة التي نسخت، انظر آية [البقرة ١٠٦/ ٢]،