جاءته البيّنة وعرف صحتها وصدقها، أو كانت عنده الإمكانية لمعرفة صحتها وصدقها ﴿وَصَدَفَ عَنْها﴾ أعرض عنها بلا تفكّر، أو أعرض عنها وصرف الناس عنها ﴿سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ﴾ العذاب سيكون نتيجة طبيعية لإعراضهم عن الآيات، وعدم تفكّرهم بها، وصرفهم الناس عنها.
١٥٨ - وهنا تعود السورة لموضوع الآية (١٢٤)﴾: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ﴾ أي ماذا ينتظر هؤلاء المعرضون بعد بعثة النبي ﷺ وبعد نزول القرآن رحمة للعالمين إذا لم يؤمنوا، فليس بعد ذلك إلا أحد ثلاث: ﴿إِلاّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ﴾ ملائكة العذاب ساعة الموت ﴿أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ﴾ يوم القيامة، بمعنى يأتي أمر ربّك بالعذاب - بحذف المضاف - ﴿أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ﴾ أي من آياته القاهرة، أو من علامات الساعة ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً﴾ لأنه بعد ظهور علامات الساعة، وكشف الحجب عن الغيب، يكون فات أوان التكليف والاختبار، ولأن الآيات إذا شوهدت يحصل العلم الاضطراري، وينتفي الإيمان بالغيب، وهو المكلف به الإنسان، فيكون الإيمان وقتها كالإيمان عند الغرغرة، فحينئذ لا ينفع الإيمان نفسا ما آمنت قبل ذلك، وما كسبت في إيمانها خيرا قبل ذلك.
وقد أوجب تعالى العمل الصالح مقرونا بالإيمان في الكثير من الآيات، وقد رأى الزمخشري أنه تعالى لم يفرّق بين النفس الكافرة إذا آمنت بعد الفوات، وبين النفس التي آمنت قبل الفوات ولم تكسب خيرا، ليعلم أنّ قوله - الذين آمنوا وعملوا الصالحات - هو جمع بين قرينتين لا ينبغي أن تنفكّ إحداهما عن