للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو شبيه بقوله تعالى ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً﴾ [المائدة ٥/ ٣٢]، ﴿وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ لعلكم تستخدموا ملكة العقل لديكم وتفقهوا الحكمة من الشريعة.

﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ﴾ (٧٤)

٧٤ - ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ﴾ من بعد كل هذه المعجزات والبيّنات والوحي، ارتكبتم من الجرائم والفساد، ليس في حق أنفسكم فقط، بل في حق الآخرين أيضا، وفشلتم في حمل الرسالة ﴿فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ بمعنى أنّ قلوبهم مادية صرفة خالية من الروحانية، لا همّ لهم سوى الدنيا، وقد شبّه تعالى قلوبهم بالجمادات ولم يشبههم بالحيوانات لأن الحيوانات لا تأخذ من الدنيا إلا ما تقتضيه غريزتها للبقاء ﴿وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ﴾ حتى الحجارة تتأثر بجريان الماء قليلا أو كثيرا، أما قلوبهم فلا تتأثر بشيء ﴿وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ﴾ يتردّى من أعلى الجبل، وهو شبيه بقوله تعالى ﴿لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ﴾ [الحشر ٥٩/ ٢١]، ﴿وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ﴾ فسوف يجازيكم على قسوتكم ومعاصيكم.

﴿أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ (٧٥)

٧٥ - ﴿أَفَتَطْمَعُونَ﴾ أيها المسلمون ﴿أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ﴾ الخطاب موجّه في الأصل إلى حديثي العهد بالإسلام من أهل المدينة، وإن كان موجها للمسلمين في كل العصور، إذ سبق أن أخبرهم اليهود أنّ نبيا على وشك الظهور، وأنّ أتباعه سوف يتغلّبون على باقي شعوب العالم، فكان ظنّ العرب أن يكون

<<  <  ج: ص:  >  >>