للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿وبيّن لهم أمور العقيدة فاختلفوا فيها وارتكسوا إلى الوثنية في حقب كثيرة من تاريخهم، واعتبروا أنفسهم "الشعب المختار" استعلاء واستكبارا على غيرهم، فلا يغتر المرء بقوتهم وغناهم اليوم: ﴿وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اِخْتَلَفُوا إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ (١٧)

ثم بعث تعالى النبيّ وأوكل إلى المسلمين حمل رسالة التوحيد وجعلهم على الطريق الصحيح لإرشاد البشرية بعد ضلال بني إسرائيل وفشلهم في حمل الرسالة، ولذا وجب الحذر من اتّباعهم: ﴿ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ (١٨)، وانتقال السورة من بعثة موسى إلى بعثة النبي مباشرة دون ذكر لبعثة عيسى، لأن بعثة عيسى كما بعثة موسى كانتا لبني إسرائيل، وفي الآية أيضا إشارة خفية لانتقال النبوة من بني إسحاق إلى بني إسماعيل.

وفي هذه الآية تهديد لمن يتّبعهم، وأن الظالمين من أمثالهم ينصرون بعضهم بعضا كما هي الحال اليوم من نصرة الغرب لهم، في حين ينصر الله تعالى المتقين: ﴿إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾ (١٩)

وأن القرآن الكريم، في إشارة للآيات (٢ - ٤)، وعلى النقيض من التوراة التي تلاعبوا بها، يكشف للناس الغرض من الإيمان: ﴿هذا﴾ القرآن ﴿بَصائِرُ لِلنّاسِ﴾ كافة جاهلهم وعالمهم، سوى المستكبرين المشار إليهم بالآية (٨)، وهو بشكل خاص هدى ورحمة لمنفتحي العقل منهم والذين يستطيعون الارتفاع من حضيض الحيوانية إلى قمة الإنسانية: ﴿وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ (٢٠)

فلا تستوي حياة المحسنين والمسيئين، لأنّ المحسن يتمتع بالسلام الروحي في حياته وعند مماته، ممّا لا يعرفه المسيء: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اِجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ﴾

<<  <  ج: ص:  >  >>