﴿قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لاتَّبَعْناكُمْ﴾ أي لو كان ما سيقع قتالا متوازنا لاتبعناكم ولكنها معركة خاسرة وأنتم تلقون أنفسكم في التهلكة، وفي كل الأحوال لا نظن أنه سيكون قتال، والإشارة إلى عبد الله بن أبيّ ومجموعته من أهل النفاق والشك، إذ لمّا انخذلوا عن جيش النبي ﷺ وهو في طريقه للقاء المشركين في أحد أتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري يقول لهم:«أذكّركم الله أن تخذلوا نبيّكم وقومكم عند حضور العدوّ»، وهذا هو المقصود من قوله تعالى: ﴿وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا﴾ فقال بعضهم: لو نعلم أنه سيكون قتال ما تركناكم، ولكنا نرى أن الأمر سينتهي بلا قتال، قالوا ذلك تلبيسا أو استهزاء، وهم يعلمون أن المشركين جاؤوا من مكة متحرقين لقتال المسلمين والقضاء عليهم، فلما استعصوا وأبوا إلاّ الانصراف قال لهم عبد الله بن عمرو:«أبعدكم الله أعداء الله، فسيغني الله عنكم»، ومضى رسول الله ﷺ.
﴿هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ﴾ رغم علمه تعالى بهم أنهم كانوا يبطنون الكفر، لأن نكوصهم عن الجهاد عمل من أعمال الكفر، فإنه لم يقل أنهم كفار لكونهم يظهرون القول بالشهادتين، فكانت إشارته تعالى لسلوكهم نوعا من التأديب لهم، ومنعا للناس من الجرأة على تكفير الغير وللنظر في احتمال العذر والتأويل ﴿يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ أي لا يتجاوز إيمانهم ما ينطقون بأفواههم ولا تعي قلوبهم منه شيئا، وهذا تصوير لنفاقهم بأن الإيمان موجود في الأفواه فقط ومعدوم في القلوب ﴿وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ﴾ من النفاق والكيد والبغض للمسلمين.
١٦٨ - ﴿الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا﴾ هم المنافقون قعدوا عن القتال وقالوا عن إخوانهم، بعد انتهاء القتال في أحد، لو أطاعونا في