للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٧٩ - لم يكتف المنافقون أن بخلوا عن الإنفاق، بل تجاوزوه إلى لمز المتصدقين في غزوة تبوك بعد أن حثّهم النبي على الاشتراك فيها:

﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ المنافقون يلمزون المطّوعين الذين جاؤوا بالنافلة من الصدقات، واللمز العيب، وأصله الإشارة بالعين كما ورد في الآية (٥٨)، والسبب أنهم ماديون يرون في المال غاية المنى، فلا يستطيعون أن يفهموا كيف يتصدق غيرهم بالمال دون مقابل دنيوي فوري؟ ﴿فِي الصَّدَقاتِ﴾ أي في شأن الصدقات، لأنهم يعتقدون أنّ المؤمنين جاؤوا بها للرياء والسمعة ﴿وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاّ جُهْدَهُمْ﴾ ويلمزون أيضا الفقراء الذين يطّوعون بجهدهم، وهو جهد المقلّ، كأن يقولوا: جاؤوا بالصدقات القليلة كي يذكروا مع الأكابر ﴿فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ﴾ يسقطون مفاهيمهم وقناعاتهم المادية والدنيوية على غيرهم، وقد يعتبرونهم من البلهاء ﴿سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ﴾ بأن جعل عاقبة سخريتهم ترتد عليهم بأن ظهر لهم في نهاية المطاف أن المادة لم تكن هدفا بذاتها كما هي قناعتهم ﴿وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ﴾ نتيجة العاقبة التي توصلوا إليها، وبأنّه تعالى لن يغفر لهم:

﴿اِسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ﴾ (٨٠)

٨٠ - ﴿اِسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ أيها النبي ﴿أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ يستوي الاستغفار وعدمه بالنسبة إلى هؤلاء الماديين المصرّين على النفاق، لأن الله تعالى لن يغفر لهم، فقد جمعوا إلى ماديتهم النفاق والسخرية والتهكم من صادقي الإيمان، وتثبيط المؤمنين عن النفير في الحر (الآية ٨١)، ﴿إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ﴾ عدد السبعين في الكلام العربي يراد به التكثير وليس التحديد، والمعنى مهما تكثر من الاستغفار لهم، فلن يغفر الله لهم ﴿ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ﴾ وهو سبب عدم المغفرة لهم أنهم أصروا على الكفر، ولم يكن لديهم أي استعداد للتوبة، وفقدوا شرط المغفرة التي وعد بها التائبون

<<  <  ج: ص:  >  >>