مختصة بما كان منها في المنام فقط دون اليقظة ﴿أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً﴾ فسّر الكواكب بالأخوة وهم أخوته الأحد عشر ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ فسّر الشمس والقمر بالأب والأم ﴿رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ﴾ كناية عن تواضع الجميع ودخولهم تحت إمرة يوسف في المستقبل، وتكرار قوله ﴿رَأَيْتُ﴾ و ﴿رَأَيْتُهُمْ﴾ أنه في الأولى ذكر مجرد الرؤيا بالمنام، وفي الثانية لبيان صفة رؤيتهم في واقع الأمر بحال السجود أي متواضعين له خاضعين لأمره.
﴿قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ (٥)
٥ - ﴿قالَ﴾ يعقوب لابنه يوسف: ﴿يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ﴾ فهم يعقوب رؤيا ابنه، وعلم أن ابنه سيكون نبيا عظيما ذا سلطان يسود به حتى أباه وأمه وإخوته، وخاف أن يعلم إخوته بذلك ويفهموا الرؤيا فيحسدوه ويكيدوا لإهلاكه، فنهاه أن يقص رؤياه عليهم، وعلّله بقوله:
﴿فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً﴾ أي يكيدوا له كيدا شرّا بنتيجة حسدهم، لأن الكيد قد يكون للخير أو للشر، كما في قوله تعالى ﴿كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ (٧٦)﴾، ﴿إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ يوسوس بين الناس بداعي الشر.
أما القصة اليهودية في سفر التكوين فتزعم أن يوسف أوغر صدر أبيه على إخوته فأخبره عنهم بريبة شنيعة، ثم أنه أخبر إخوته أولا بالرؤيا فحقدوا عليه، ثم أخبر أباه فوبخه قائلا: ما هذا الحلم؟ أمك وأنا ننحني أمامك؟ بمعنى أن يعقوب ظنّ رؤيا يوسف من قبيل التمنّي والتبجّح، وبالمقابل تبين الآية القرآنية أن يعقوب، بثاقب نظرته النبوية، علم ما سيكون من مستقبل ابنه في النبوة فازداد حبه له وعطفه وحرصه الشديد عليه، وخشيته عليه من كيد إخوته وحسدهم له، وأيقن بما أعدّه الله تعالى لابنه، قال الشيخ رشيد رضا: ولكن علم يعقوب ويقينه بذلك كان إجماليا لا تفصيليا، وقد جاءت قصته من أولها إلى آخرها تفصيلا لهذا الإجمال الذي هو من أبدع بلاغة القرآن الكريم.